في الوقت الذي دعا فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وقف إطلاق نار “غير مشروط” في غزة، تطرح مواقف ميدانية داخل فرنسا، وتحديدًا من داخل أحد أكبر قطاعاتها الحيوية، علامات استفهام كبرى حول مدى التناسق بين الخطاب السياسي الرسمي والواقع العملي.
فقد أصدر نقابة “SUD Aérien Solidaires”، يوم 7 جويلية 2025، بيانًا شديد اللهجة عبّرت فيه عن رفضها القاطع لنقل أي معدات عسكرية على متن الرحلات الجوية المتجهة إلى إسرائيل. وأكدت النقابة أنها تبلّغت بوجود شحنة عسكرية مبرمجة يوم 8 جويلية على متن الرحلة رقم AF966 التابعة لشركة “إير فرانس”، والمتجهة نحو تل أبيب.
واعتبرت النقابة أنّ المساهمة، من قريب أو بعيد، في عمليات لوجستية كهذه هي تورّط مباشر في “الجرائم المرتكبة في غزة”، مشيرة إلى أنّ ما يحدث منذ أشهر هو “قصف مكثف، وحصار شامل، ودمار واسع، وسقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى”، واصفة ذلك بـ”الإبادة الجماعية”.
وأطلقت النقابة نداء إلى كل العاملين في قطاع الطيران، سواء كانوا منضوين تحت لواء النقابات أو غير ذلك، إلى رفض شحن هذه المعدات، وتفعيل ما سمته بـ”حق الضمير”، وعدم المشاركة في ما وصفته بـ”سياسة الموت”.
كما طالبت إدارة شركة “إير فرانس” بتوضيحات عاجلة حول هذا النقل، وبوقف “أي تعاون مع مجهود الحرب الإسرائيلي”، معلنة أنّ “مهمتها ليست شحن الأسلحة، بل خدمة المسافرين”.

المفارقة بين التصريحات والممارسات
في خطاب ألقاه أمام البرلمان البريطاني خلال زيارته إلى لندن، قال الرئيس ماكرون: “الدعوة اليوم إلى وقف إطلاق نار غير مشروط في غزة، هي ببساطة رسالة إلى العالم بأننا، كأوروبيين، لا نكيل بمكيالين”، مضيفًا أن “حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين هما السبيل الوحيد لبناء السلام”. واعتبر أن استمرار الحرب في غزة “تهديد للمنطقة بأكملها”.
لكن في المقابل، وعلى الأرض، تقارير وبيانات من داخل فرنسا، مثل ما عبّرت عنه نقابة الطيران، تؤشر إلى تورّط فرنسي غير مباشر في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، من خلال تسهيل نقل العتاد العسكري، وهو ما يضع الدولة الفرنسية أمام تناقض صارخ بين الخطاب السياسي والواقع العملي.
ووفقًا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد الشهداء الذين سقطوا نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بلغ أكثر من 57,523 شهيدًا، فيما تجاوز عدد الجرحى 136,617 مصابًا، مع استمرار وجود آلاف الجثامين تحت الأنقاض، وسط عجز فرق الإنقاذ عن الوصول إليها نتيجة القصف المتواصل ونقص المعدات.
الوضع الإنساني في غزة يزداد تفاقمًا، مع استمرار القصف على المناطق السكنية، والمرافق الطبية، ومراكز إيواء النازحين. ويُحذّر المراقبون من انهيار كامل في القطاع الصحي والبيئي، في ظل نقص حاد في الغذاء والماء والدواء.
“ليس باسمنا… ليس بأيدينا”
بهذا الشعار، ختمت نقابة SUD Aérien بيانها، مؤكدة أن تضامنها “مع الشعوب المضطهدة، لا مع مجرمي الحرب”. رسالة صارخة تختصر الصراع الداخلي في فرنسا بين الخطاب الأخلاقي الرسمي والممارسات التي قد تصب في خانة التواطؤ مع جرائم موثقة بحق المدنيين في غزة.
فهل تترجم باريس كلمات رئيسها إلى مواقف عملية حقيقية؟ أم أن الأقوال ستظل حبيسة قاعات البرلمانات، بينما تُشحن الأسلحة على متن الطائرات الفرنسية؟

