الرئيسيةآخر الأخبارتقرير ... وكان خليج قابس

تقرير … وكان خليج قابس

اجتمع رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 30 سبتمبر 2025 بكلٍّ من وزير الصحة مصطفى الفرجاني ووزير البيئة حبيب عبيد ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم فاطمة ثابت شيبوب، حيث أكّد أن ما تعيشه مدينة قابس هو “اغتيال للبيئة والقضاء على مظاهر الحياة”، محمّلًا السياسات التنموية السابقة مسؤولية ما وصفه بـ”الجريمة البيئية”.

وقال سعيّد خلال اللقاء:”تمّ القضاء على الواحات وعلى كل مظاهر الحياة بمدينة قابس… هذه الاختيارات بمثابة الجريمة.”

وشدّد رئيس الجمهورية على أنّ الإخلالات الهيكلية وغياب الصيانة اللازمة للوحدات الصناعية تسبّبت في وقوع ضحايا وانتشار الأمراض، داعيًا إلى وضع آليات عاجلة لإنقاذ قابس وتنفيذ الدراسات التي أعدّها شباب الجهة خلال السنوات الماضية، والتي تتضمّن حلولًا علمية لإعادة إحياء النظام البيئي والواحات واستعادة التوازن الطبيعي للمنطقة.

وتأتي تصريحات الرئيس في وقتٍ كشفت فيه دراسة أوروبية حديثة أُنجزت عبر القمر الصناعي Sentinel-2 عن مستوى قياسي للتلوث البلاستيكي في خليج قابس، إلى جانب دلتا بو في إيطاليا، حيث تمّ رصد أكثر من 14 ألف شريط من البلاستيك يطفو على سطح البحر، يبلغ طول كل منها كيلومترًا واحدًا تقريبًا.

وبيّنت الدراسة، التي استندت إلى تحليل 300 ألف صورة التقطت على مدى ستّ سنوات، أنّ أعلى تركيزات التلوث تقع على بعد 10 كيلومترات من السواحل، في مناطق تتقاطع فيها التيارات البحرية، ومن أبرزها خليج قابس، وكوت دازور وكورسيكا، ومضيق جبل طارق، والجزء الشمالي من البحر الأدرياتيكي.

ويُعتبر التلوث البلاستيكي أحد أخطر التحديات التي تهدّد التنوع البيولوجي العالمي، إذ تُلقى سنويًا ما بين 6 و12 مليون طن من النفايات البلاستيكية في البحار والمحيطات، لتتحول إلى جُسيمات دقيقة تُبتلع من قبل الكائنات البحرية، أو تتراكم في القاع، أو تطفو لتشكّل خطرًا متزايدًا على الحياة البحرية والإنسان.

— تقرير ... وكان خليج قابس

أما في قابس، فقد تداخلت مظاهر التلوث الصناعي مع التلوث البلاستيكي، إذ يعاني الأهالي منذ أكثر من أربعة عقود من أضرار المجمّع الكيميائي في شطّ السلام، الذي يضخّ كميات ضخمة من مادة الفسفوجبس في البحر، ما تسبب في اختناق الواحات، وتلوّث الهواء والمائدة المائية، وانقراض الحياة البحرية على امتداد الشاطئ.

وتشير تقديرات أكاديمية إلى أن أكثر من 30 مليون طن من الفسفوجبس تم ضخّها في البحر، ما جعل الحياة البحرية ممكنة فقط على بعد ستة كيلومترات من الساحل. وقد ترتب عن ذلك انتشار أمراض خطيرة مثل السرطان، وهشاشة العظام، وأمراض الجهاز التنفسي والجلدية، إلى جانب ارتفاع حالات العقم والإجهاض.

وتتواتر شهادات المواطنين في شطّ السلام عن مآسٍ إنسانية متكرّرة، لعائلات فقدت أفرادها بسبب أمراض خبيثة، فيما يُرجع السكان السبب إلى الإفرازات الكيميائية والغازات السامة المنبعثة من المجمع. ويؤكد ناشطون أن مشاهد الأسماك والسلاحف النافقة باتت مألوفة على الشاطئ الذي تحوّل لبحر “أسود ميّت”، وفق توصيف الأهالي.

في مواجهة هذا الوضع، يتواصل الحراك البيئي والمجتمعي في الجهة من خلال مبادرات مثل “أوقفوا التلوث… نحب نعيش” و**”سكّر المصب”**، التي تطالب بتفكيك الوحدات الملوثة وتطبيق قرارات المجلس الوزاري لسنة 2017، الرافضة لاستمرار ضخّ الفسفوجبس، والداعية إلى إقامة صناعات نظيفة تحترم المعايير البيئية.

لكنّ التوتر ازداد مع إعلان السلطات عن نيتها تركيز وحدة لإنتاج الأمونياك والهيدروجين الأخضر، ما اعتبره النشطاء تهديدًا جديدًا للسلامة البيئية والسيادة المائية، خصوصًا في ظل أزمة العطش التي تعيشها البلاد.

وشهدت قابس خلال الأشهر الأخيرة اعتقالات في صفوف شباب محتجّين على هذه المشاريع، وأصدرت السلطات بطاقات إيداع بالسجن ضدّ ثلاثة ناشطين بتهم تتعلق بـ”إقلاق الراحة العامة والاعتداء على موظف عمومي”، ما أثار موجة تضامن واسعة من أكثر من 14 جمعية ومنظمة حقوقية،

— تقرير ... وكان خليج قابس

وكان خليج قابس يُعتبر موطنًا أساسيًا ومهمًا لتكاثر عدة أنواع من أسماك القرش والرايات، مما يمثل جزءًا لا يتجزأ من التنوع البيولوجي البحري في المنطقة. يجتمع الخبراء على أن القروش، بما في ذلك الأنواع المهددة مثل القرش الأبيض، يتجمعون في مياه خليج قابس خلال فترة معينة من العام لأغراض التزاوج والتكاثر. يعتبر هذا التجمع السنوي للقروش ظاهرة طبيعية مهمة لاستدامة الحياة البحرية وتوازن النظام البيئي في المنطقة البحرية. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر خليج قابس منطقة مهمة وحيوية للمحافظة على تنوع أنواع الأسماك في البحر الأبيض المتوسط، وهو يوفر بيئة مثالية لنمو وتكاثر هذه الأنواع الهامة من الأسماك.

وبين تحذيرات الخبراء البيئيين، وصمود الحركات المدنية، وتصريحات رئاسة الجمهورية، تبقى قابس اليوم نموذجًا صارخًا لثمن التلوث الصناعي، ودليلًا على الحاجة الملحّة إلى سياسات تنموية جديدة تُوازن بين الاقتصاد والبيئة والإنسان، حتى تستعيد المدينة وواحاتها بريقها الأخضر المفقود.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!