مع انطلاق موسم النزلة الموسمية هذا العام، أثارت مسألة تلقيح الفئات الهشة، وخاصة المتقاعدين، جدلاً واسعًا في تونس. فبينما تنصح وزارة الصحة بتلقيح كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والنساء الحوامل، يبقى السؤال الملح: لماذا لا تتدخل الصناديق الاجتماعية لتوفير التلقيح مجانًا؟
وفقًا للكاتبة العامة للمجلس الوطني لهيئة الصيادلة، ثريا نيفر، اقتنت تونس هذا العام 280 ألف جرعة تلقيح ضد النزلة الموسمية، تتوفر في الصيدليات الخاصة ومراكز الصحة الأساسية بأسعار تتراوح بين 37 و41 دينارًا للجرعة. وتعتبر هذه التلاقيح فعّالة ضد أربع طفرات من الفيروس هذا الموسم، على أن تقل إلى ثلاث طفرات ابتداء من السنة القادمة، وفق توصيات منظمة الصحة العالمية.
وعلى الرغم من وضوح الفوائد الصحية للتلقيح، فإن الصناديق الاجتماعية لم تتبنَ بعد تمويل هذه التلاقيح للمتقاعدين والفئات الهشة.
خبراء الصحة يشيرون إلى أن هذا التجاهل يعود إلى عدة أسباب: أولها تركيز الصناديق على تغطية العلاج بعد حدوث المرض بدل الوقاية، ثانيها القيود المالية قصيرة المدى التي تمنع الاستثمار المباشر في برامج الوقاية، وثالثها ضعف التنسيق بين وزارة الصحة والصناديق الاجتماعية، إضافةً إلى قلة الوعي بالفوائد الاقتصادية الطويلة الأمد للتلقيح، مثل تقليل تكاليف العلاج، وأيام الغياب عن العمل، والمضاعفات الصحية الخطيرة.
وتشير الدراسات العالمية إلى أن التلقيح السنوي يقلل المضاعفات بنسبة تصل إلى 70-80%، ويحد من حالات الوفاة بين كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. كما أن الأطفال الذين يعيشون مع كبار السن يعتبرون ناقلين رئيسيين للفيروس، ما يجعل تلقيحهم جزءًا أساسيًا من استراتيجية الوقاية.
من الناحية الاقتصادية، توفير التلقيح مجانًا للمتقاعدين سيعود بالنفع على الصناديق الاجتماعية والدولة بشكل مباشر، إذ يقلل من نفقات المستشفيات والأدوية ويحد من الإجازات المرضية التي تكلف المؤسسات الوطنية ملايين الدنانير سنويًا.
في خضم هذه المعطيات، يظل التساؤل قائمًا: متى ستعطي الصناديق الاجتماعية الأولوية للوقاية على العلاج، وتتبنى توفير التلقيح مجانًا للمتقاعدين والفئات الهشة؟ الجواب قد يشكل فارقًا حقيقيًا في تقليل العبء الصحي والاقتصادي للنزلة الموسمية في تونس، ويجعل من الوقاية استثمارًا ذكيًا بدل أن تكون رفاهية.

