أثار سؤال طرحه السيد خليفة الشيباني أحد الكرونيكورات على أمواج إذاعة “إكسبريس أف أم” صباح اليوم جدلًا واسعًا: “لماذا نمنح الحصانة البرلمانية للنواب أصلاً؟” سؤال غريب، ليس لأنه يطرحه مواطن عادي، بل لأنه صدر عن محلل إذاعي يُفترض أن يكون مطّلعًا على أبجديات العمل البرلماني وتاريخه.
والحصانة البرلمانية ليست اختراعًا تونسيًا ولا حتى عربيًا. جذورها تعود إلى بريطانيا القرن السابع عشر، حين أُقرّ إعلان الحقوق سنة 1689، الذي نص على أن حرية التعبير داخل البرلمان لا يمكن أن تكون موضع مساءلة أمام أي محكمة. كان الهدف حماية النواب من تعسّف الملك والسلطة التنفيذية، وضمان أن يكون البرلمان فضاءً حرًّا للنقاش دون خوف من العقاب.
ماذا تعني الحصانة؟
الحصانة البرلمانية نوعان:
- حصانة موضوعية: تحمي النائب من الملاحقة القضائية بسبب الآراء أو التصويت أو الخطابات داخل البرلمان.
- حصانة إجرائية: تمنع إيقاف النائب أو محاكمته خلال فترة نيابته إلا بإذن مسبق من المجلس النيابي، باستثناء حالة التلبس بجريمة خطيرة.
في تونس، ينص الدستور على هذين النوعين من الحصانة، وهو ما يضمن استقلالية البرلمان عن بقية السلطات.
الهدف الأساسي ليس حماية الأشخاص بل حماية المؤسسة التشريعية من الضغوط السياسية والقضائية. فالنائب يمثل الشعب، وأي ملاحقة تعسفية ضده قد تعني إسكات دائرة انتخابية بأكملها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم:
- هل ما زال هذا النظام ضرورياً في دولة ديمقراطية حديثة؟
- هل تحولت الحصانة من آلية حماية للممارسة الديمقراطية إلى أداة للإفلات من العقاب؟
أكثر من 140 دولة تمنح شكلًا من أشكال الحصانة البرلمانية، لكن التفاصيل تختلف:
- بريطانيا: الحصانة تقتصر على حرية التعبير داخل البرلمان فقط، ولا تحمي النواب من الملاحقة القضائية في الجرائم العادية.
- فرنسا وإيطاليا وإسبانيا: تمنح الحصانة كاملة، لكن يمكن رفعها بقرار من البرلمان.
- الولايات المتحدة: لا وجود لحصانة مطلقة، النواب محميون فقط من الملاحقة بسبب تصويتهم أو خطبهم، لكن يمكن محاكمتهم في أي قضية جنائية.
- المغرب والجزائر وتونس: تمنح الحصانة، مع إمكانية رفعها عبر تصويت البرلمان.

