في سلوك يُعدّ غير مألوف في عالم الحروب والاستخبارات، تُعلن إيران عن بعض عملياتها العسكرية ضد أهداف إسرائيلية قبل الشروع في تنفيذها أو بالتزامن معها، في رسائل لا تخلو من التحدي، لكن أيضًا من الحسابات الدقيقة.
هذه الإعلانات لم تكن محض دعاية أو اندفاع سياسي، بل يراها خبراء عسكريون ضمن استراتيجية مدروسة تُعرف باسم “هندسة الردع المتحكم فيه” (Controlled Deterrence)، وهي مقاربة إيرانية تسعى إلى تحقيق تأثير ردعي فعّال دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.
رسائل محسوبة… لا عشوائية في القرار
الإعلان الإيراني المسبق عن عمليات عسكرية، سواء باستهداف منشآت أو تحذير من ردود مرتقبة، يحمل في طياته رسالة واضحة: “نحن قادرون، لكننا لسنا متهورين”. ووفقًا لمحللين، فإن هذه الخطوة تُوظف سياسيًا وعسكريًا ونفسيًا، وتُستخدم لرسم خطوط حمراء للطرف المقابل.
من خلال هذا التكتيك، تُظهر إيران قدرتها على المبادرة، وفي الوقت نفسه تتحكم بإيقاع التصعيد، بحيث تبقى ضرباتها ضمن هامش “الردّ المضبوط”، وهي صيغة تتيح لها الرد دون تفجير حرب شاملة في المنطقة.
الإعلام العسكري كأداة ردع
تلعب أجهزة الإعلام العسكرية الإيرانية دورًا متقدّمًا في تنفيذ هذا التوجه، من خلال تغطيات مكثّفة ورسائل موجّهة للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي. فالإعلان عن عملية قبل وقوعها قد يبدو غريبًا، لكنه في الواقع تكتيك يربك الخصم ويخاطب الحلفاء في الوقت نفسه.
وفي السياق ذاته، يُشير خبراء إلى أن هذه الإعلانات تساهم في حشد الداخل الإيراني حول النظام، وتُستخدم كأداة لتثبيت السردية الرسمية بأن الجمهورية الإسلامية “تدافع عن هيبة الأمة”.

