الرئيسيةآخر الأخبارالمخرج الإسرائيلي الذي عرّى قطيعا من الإعلام الفرنسي

المخرج الإسرائيلي الذي عرّى قطيعا من الإعلام الفرنسي

شهدت القناة الفرنسية France 5 لحظة تلفزيونية استثنائية خلال استضافة المخرج والكاتب الإسرائيلي ناداف لابيد بمناسبة عرض فيلمه الجديد Oui، إذ تحوّل الحوار إلى مواجهة فكرية حادّة عرّت السرديات السائدة في الإعلام الفرنسي حول ما يحدث في غزة.

منذ البداية، صدم لابيد الحاضرين حين وصف ما يجري هناك بـ”مجازر” و”حرب إبادة لشعب كامل”، مذكّرًا بأنه غادر إسرائيل منذ أربع سنوات لأنه لم يعد قادرًا على تحمّل المسؤولية الأخلاقية تجاه ما ترتكبه بلاده.

هذا الموقف أربك الصحافيين، الذين بدوا وكأنهم يواجهون خطابًا لا يسمع عادة على القنوات الكبرى، باستثناء مراسلة Libération التي أيّدت مقاربته.

ولم يكتفِ لابيد بانتقاد حكومة نتنياهو، بل ذهب أبعد حين اعتبر أن المشكلة أعمق من السياسة وأن المجتمع الإسرائيلي بأكمله يعيش على الحرب. أحد الصحافيين حاول التخفيف من حدّة كلامه بالإشارة إلى وجود قاضٍ عربي في المحكمة الدستورية كدليل على الديمقراطية، فردّ لابيد بسخرية: “رجاءً كفّوا عن هذه النظرة الفولكلورية، هذه ديمقراطية لليهود فقط.”

أما اللحظة التي جعلت الاستوديو في حالة صمت حاد فكانت عندما روى حادثة من كواليس تصوير فيلمه: فقد تم تصوير جوقة أطفال تغني قصيدة عنصرية تدعو لقتل الفلسطينيين وحرقهم، وأعيد المشهد عشر مرات، ولم يعترض أيّ من أولياء الستين طفلًا على الكلمات أو معانيها، بل كان همّ بعضهم أن يظهر أبناؤهم أكثر في اللقطة. بالنسبة للابيد، هذا المثال يلخّص تطبيع العنف في المجتمع الإسرائيلي.

وعندما حاول صحافي آخر استفزازه بسؤال عن 7 أكتوبر، أجابه لابيد بأن الإعلام الفرنسي يريد تصوير كل شيء بالأبيض والأسود، وهذا يشجّع على ارتكاب الجرائم لأنه يلغي التعقيد الأخلاقي والإنساني للنزاع.

النتيجة كانت حوارًا كشف هشاشة الخطاب الإعلامي السائد، وأحرج ضيوف البرنامج الذين وجدوا أنفسهم وكأنهم يدافعون عن ممارسات موثّقة بدل مساءلتها.

من هو نداف لابيد؟

نداف لابيد (Nadav Lapid) من مواليد تل أبيب عام 1975، وهو أحد أبرز الأصوات السينمائية الإسرائيلية المعاصرة. درس الفلسفة في تل أبيب ثم السينما في فرنسا، ما منحه رؤية مزدوجة تجمع بين النقد الاجتماعي والتحليل الفلسفي. اشتهر منذ فيلمه الأول Policeman (2011) الذي فاز بجائزة في مهرجان لوكارنو، قبل أن يحقق شهرة عالمية بفيلم Synonyms (2019) المتوّج بجائزة الدب الذهبي في برلين، والذي تناول أزمة الهوية الإسرائيلية من منظور صادم.

فيلمه الجديد Oui يُعتبر الأكثر جرأة في مسيرته، إذ يصوّر شخصية “Y” – عازف بيانو ومهرّج حداثي – يعيش حياة مجون وسط النخبة الإسرائيلية بينما تتساقط القنابل على غزة، ويقبل في النهاية تأليف موسيقى لنشيد انتصاري يحمل نبرة إبادة جماعية. الفيلم، الذي صُوّر مباشرة بعد 7 أكتوبر 2024، يلتقط إحساس الطوارئ والجنون الجماعي في المجتمع الإسرائيلي، ويخلط بين السريالية والنيو-ريالية ليقدّم مرآة قاسية تقول للإسرائيليين: “هذا أنتم، انظروا جيدًا.”

لابيد لا يرى السينما أداة وعظ سياسي مباشر، بل وسيلة لإجبار المجتمع على مواجهة صورته الحقيقية. وهو يعتقد أن وظيفة الفن هي إظهار ما يرفض الناس رؤيته، مهما كان صادمًا. ولهذا السبب أصبح اسمه مرتبطًا بالسينما المتمرّدة التي لا ترضخ للرقابة الرسمية ولا للإملاءات الأخلاقية السائدة.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!