يواصل مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا (ELMED) إثارة الجدل في الأوساط النقابية والطاقة في تونس، إذ يرى بعض النقابيين أنه يحمل مخاطر اقتصادية واستراتيجية للبلاد، بينما يشير خبراء آخرون إلى أن المشروع يمثل فرصة لتعزيز الأمن الطاقي الوطني وإدماج تونس في السوق الأوروبية للكهرباء.
في تصريحات لإذاعة ديوان أف أم، وصف إلياس بن عمار، عضو الجامعة العامة للكهرباء والغاز التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، المشروع بأنه “مشروع مفروض”، مشيرًا إلى أن الدولة التونسية تتحمل الجزء الأكبر من كلفته بينما تستفيد أوروبا.
ووفق النقابي، فإن المشروع بعد تعديله ليصبح ثنائي الاتجاه بعد 2011 يتيح إمكانية استيراد الكهرباء الأوروبية إلى تونس، ما قد يزيد من اعتماد البلاد على الخارج في أوقات النقص، بدل أن يكون أداة لتصدير الكهرباء الوطنية. كما انتقد بن عمار غياب دراسة جدوى مالية شفافة، معتبرًا أن القانون التونسي لعام 2015 لا يُلزم محطات التصدير بتزويد السوق المحلية بالكهرباء، حتى في حالات الأزمة.
ورغم صحة بعض التحفظات، إلا أن مواقف النقابة تعاني من بعض الهنات:
- المشروع لم يُفرض بالكامل من الخارج، بل تونس شاركت في تصميمه ووقعت على اتفاقياته.
- التحول إلى خط مزدوج الاتجاه لا يعني بالضرورة تبعية مطلقة، بل يوفر إمكانية المرونة في إدارة الشبكة.
- المخاطر الاقتصادية ليست حتمية، بل مرتبطة بكيفية استغلال العوائد وتوجيه الإنتاج للسوق المحلية والتصدير.
ويؤكّد الخبراء في الطاقة من الذين تحدثنا اليهم أن المشروع يمثل فرصة استراتيجية لتونس، مشيرين إلى أن الربط الحالي بطاقة 600 ميغاوات يمكن تطويره مستقبلاً ليصبح أداة تصدير رئيسية للطاقة النظيفة.
وحسب هؤلاء فان المشروع يمنح تونس هامشًا كبيرًا في اختيار مزوّدي الكهرباء عند الحاجة، وهو ما يقلل من الاعتماد على دولة واحدة أو أي مصدر وحيد، ويزيد من أمن الطاقة الوطني. كما يشدّدون على أن البنك الدولي كان في السابق يرفض تمويل المشروع، لكن بفضل دعم الاتحاد الأوروبي أصبح ممكناً تنفيذه، خصوصًا ضمن رؤية السوق الأوروبية الموحدة للطاقة المتجددة.
علما وأن الربط الكهربائي مع أوروبا يمكن أن يتحوّل إلى مصدر عوائد مالية حقيقية إذا استُغلّت موارد تونس من الطاقة الشمسية والرياح للتصدير، بدل أن يكون مجرد خط استيراد محتمل.
من المهم أن نقرأ مشروع ELMED بواقعية:
- المخاطر التي تذكرها النقابة موجودة، لكنها ليست حتمية.
- الفوائد المحتملة كبيرة إذا أُدير المشروع بشفافية، مع ضمان حصة للسوق المحلية من الإنتاج وتوجيه الأرباح نحو الاستثمار في البنية التحتية الوطنية.
- المشروع لا يُقصي تونس عن السوق الأوروبية، بل يمنحها مرونة استراتيجية، ويضع البلاد في موقع حلقة وصل طاقية بين أوروبا وأفريقيا.
الخلاصة
مشروع الربط الكهربائي تونس-إيطاليا يطرح معضلة متوازنة بين المخاوف النقابية والفرص الاستراتيجية:
- على الجانب النقدي، يجب التأكيد على الشفافية المالية، وضمان استفادة السوق المحلية، وعدم تحميل الدولة التونسية كل التكاليف دون عوائد واضحة.
- على الجانب الفرصي، يمكن أن يكون المشروع محركًا للطاقة النظيفة والتصدير، ويمنح تونس مرونة استراتيجية غير مسبوقة في إدارة أمنها الطاقي.
- “”يقولون إن تونس هي الأحق بالإنتاج، وهذا صحيح، لكن إذا كان الهدف تصدير الكهرباء إلى السوق، فلن تجد من يمول المشروع. فلطالما بحثنا خلال السنوات العشر الماضية عن تمويل لإنشاء محطتين في قابس، ولم نجد أي جهة توفر الأموال.”
في نهاية المطاف، يمكن القول إن مشروع ELMED ليس مجرد خط كهرباء، بل أداة استراتيجية تحتاج إلى إدارة ذكية لضمان أن يكون مصدر قوة وتطور للطاقة التونسية، لا أن يتحول إلى مسبب للقلق والاعتماد على الخارج.

