الرئيسيةآخر الأخبار"الطبيب المكسور": شهادة موجعة تكشف معاناة الأطباء الشبان في تونس

“الطبيب المكسور”: شهادة موجعة تكشف معاناة الأطباء الشبان في تونس

في رسالة مؤثرة نشرها الطبيب الشاب أحمد بالعربي، عبر فيها عن جانب من المعاناة الصامتة التي يعيشها العديد من الأطباء الشبان في تونس، والذين يواصلون أداء مهامهم في ظروف قاسية، جسديًا ونفسيًا، دون مقابل مادي يُذكر، ودون حماية اجتماعية أو اعتراف حقيقي بما يبذلونه من تضحيات يومية.

التحق أحمد سنة 2023 بمستشفى البشير حمزة كطبيب داخلي شاب. بعد خمسة أيام فقط من مباشرة العمل، تعرّض لكسر على مستوى اليد خلال مباراة كرة قدم. ورغم خطورة الإصابة، لم يتمتع بحقّه في عطلة مرضية، بل واصل العمل لثلاثة أشهر كاملة وهو في حالة تجبيس من المرفق حتى الأصابع، مطالبًا بنفس عدد الحصص وساعات العمل مثل زملائه.

يروي أحمد أنه في ذروة موسم التهاب القصيبات الهوائية لدى الأطفال (bronchiolite)، وصل به الأمر إلى معاينة 88 طفلًا في ليلة واحدة داخل قسم الاستعجالي، وهو في حالة ألم شديدة، يتلقى العلاج عن طريق “السيروم” المعلّق في يده، ويستنجد بمسكنات الألم كي يتمكن من مواصلة العمل.

يضيف: “كنت نخدم، والـserum معلّق في يدي، والوالدين يعيّطولي الطبيب المكسور… وكانوا يسألوني: كيفاش قادر تخدم هكّا؟”.

بعيدًا عن عائلته، كان أحمد يعيش وحده في العاصمة، دون مساندة، حيث يطبخ لنفسه، ويغسل أوانيه وثيابه، ويحمل على ظهره حقيبة المناوبة الثقيلة، ليتنقل إلى قسم الاستعجالي ويقضي ما لا يقل عن 33 ساعة من العمل المتواصل، ثم يعود ليستأنف العمل في اليوم الموالي بنفس النسق.

الخوف من عدم احتساب التربص الرسمي (stage non validé) دفعه إلى التضحية بصحته، رغم أن إصابته لم تلتئم بشكل كامل، وتسببت لاحقًا في كسر جديد قد يستوجب تدخلًا جراحيًا. ورغم كل ذلك، لم يُكافَأ، بل وجد نفسه مثل كثير من زملائه دون أي تعويض مادي عن ساعات المناوبة، رغم مرور أكثر من عامين على تقديمها.

المفارقة المؤلمة التي ختم بها الطبيب شهادته كانت مقارنة بين أجره كطبيب وبين ما كان يدفعه جده لإرواء دابته. حيث قال:
“ساعة العمل تُحتسب بدينار و500 مليم… جدي الله يرحمه، كان عنده بهيم يروّح عليه ببالة ڤرط بـ15 ألف… يعني ساعة الطبيب أقل من ساعة البهيم.”

صرخة جيل كامل

شهادة الطبيب أحمد بالعربي ليست سوى مرآة لواقع أليم يعيشه مئات من الأطباء الشبان في تونس، يُطالبون بحقوقهم الأساسية: الراحة عند المرض، أجور محترمة، ظروف عمل إنسانية، والاعتراف بتضحياتهم.
في ظل تدهور الوضع الصحي، وتفاقم هجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج، تبقى هذه الأصوات صرخة للتاريخ… فهل من مُجيب؟

*** رسميا أحمد بالعربي هو الان طبيب مقيم في إختصاص الإنعاش الطبّي

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!