في تونس، أصبح من المألوف أن يشعر بعض الناس بالفرح عند تعرّض خصومهم السياسيين أو المختلفين عنهم للرأي إلى محن، مثل السجن أو الإهانة أو حتى الموت. هذا السلوك، المعروف محليًا بـ”الشماتة”، ازداد وضوحًا بعد الثورة سنة 2011، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتحوّل الخصم إلى “عدو” يُسحل رقميًا وتُلغى إنسانيته.
يرى الصحفي والباحث في علوم الاتصال منجي الخضراوي، في دراسة نشرها بموقع الكتيبة، أن هذه الظاهرة ليست مجرّد ردود فعل منعزلة، بل نتيجة تفاعل عوامل اجتماعية ونفسية وسياسية عميقة. فبدل أن يفرّغ الأفراد مشاعرهم السلبية داخليًا أو من خلال التعبير الفني أو العاطفي (كما في مفهوم “الكاتارسيس” الإغريقي)، يقومون بتفريغها عبر مهاجمة الآخر المختلف، ما يشكّل نوعًا من “التطهير العكسي” الذي يُغذّي مشاعر الكراهية بدل تهذيبها.
ويفسّر الكاتب هذا الميل العدواني بوجود إحساس بالعجز والخيبة، يدفع الأفراد إلى البحث عن انتصارات وهمية، مثل الاحتفال بسجن معارض أو فشل خصم. وتُغذّي وسائل التواصل الاجتماعي هذه النزعة عبر ما يسميه بـ”القبائل الرقمية”: مجموعات افتراضية متعصبة لهويات أو شعارات، ترفض الحوار وتُقصي المختلف، وتشجّع على التنمّر والانتقام الجماعي.
هذه “القبائل” ليست مجرد ظاهرة افتراضية، بل تُعبّر عن خلل في الثقافة السياسية وغياب رواية وطنية جامعة. الكراهية أصبحت تعويضًا عن الإقصاء الاجتماعي، والتنمّر الرقمي أداةً لفرض القوة بدل الحوار.
وتشير أرقام مقلقة إلى تفشّي خطاب الكراهية في تونس:
- 54% من منشورات الحملات الانتخابية (2022) تضمّنت كراهية،
- 62% من النشطاء تعرّضوا لهجوم على الإنترنت،
- و70% من الناشطات النساء تعرضن لإهانات رقمية.
هذه البيئة تعمّق الشرخ المجتمعي، وتُهدّد الديمقراطية، إذ تصبح السياسة مجرّد حرب تصفية رمزية بين “قبائل رقمية”، بدل أن تكون ساحةً لتبادل الأفكار. في مثل هذا المناخ، يُحتقَر المثقف ويُهمّش الحوار، فيتحوّل الفضاء الرقمي إلى ساحة “حرب الكل ضد الكل”.
ما العمل؟
تدعو الدراسة إلى ضرورة إطلاق مبادرات للحد من خطاب الكراهية، مثل اعتماد ميثاق رقمي وتثقيف المستخدمين وتعزيز القيم المشتركة. فالمجتمع، كما الفرد، يمكنه أن يمرض… لكنه أيضًا قادر على الشفاء.

