خلال مناقشة ميزانية وزارة تكنولوجيات الاتصال صباح اليوم، شدد العديد من النواب على أهمية إرساء البنك البريدي لما يمكن أن يحدثه من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الانتشار الواسع لمكاتب البريد في مختلف الجهات وغياب الفروع البنكية في مناطق عديدة، إضافة إلى الثقة الكبيرة التي يحظى بها البريد لدى المواطنين وانخراطهم الواسع في خدماته المالية.
فالمشروع يعود إلى ديسمبر 2019، حين تقدّم البريد التونسي بطلب رسمي لإحداث بنك بريدي برأس مال يُقدّر بـ70 مليون دينار. لكن البنك المركزي سجّل آنذاك عدة نقائص جوهرية، من بينها غياب خطة عمل واضحة، وضعف في أنظمة الحوكمة والمراقبة، وغياب الإطار القانوني لتحويل الحسابات البريدية إلى حسابات مصرفية خاضعة للرقابة.
ورغم اجتماعات لجنة وطنية مشتركة سنة 2020، لم تُحرز المشاورات أي تقدم فعلي، خصوصًا في ظل تداعيات جائحة كوفيد-19 وما تبعها من تحولات سياسية واقتصادية عطّلت المشروع، وفق شهادات رسمية سابقة.
شروط البنك المركزي: واضحة وصارمة
وينص القانون عدد 48 لسنة 2016 المنظم للبنوك على جملة من الشروط الضرورية لمنح الترخيص، أبرزها خطة عمل محكمة، ونظام معلوماتي متطور، وآليات رقابة فعالة، وهي شروط أكد البنك المركزي أنها لم تُستكمل بعد. ومع ذلك، صرّح مصدر رسمي للبنك في أوت 2023 لـ”تونيزي تلغراف” بأن المؤسسة لا تعارض الفكرة من حيث المبدأ، لكنها تنتظر ملفًا متكاملًا يُعرض على لجنة التراخيص.
وكان وزير تكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي قد أكد في ردّ كتابي بتاريخ 2 ماي 2025 أن المشروع “استراتيجي”، لكنه يتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التوازنات المالية للدولة، ودور البريد في إدارة صندوق الادخار الوطني، والتأثيرات المحتملة على القطاع البنكي.
ويبقى المشروع اليوم معلّقًا بين حماس اجتماعي واسع، وحاجة اقتصادية حقيقية، وقوانين تنظيمية صارمة، فإلى حين تحرك فعلي من الإدارة العامة للبريد التونسي، يظل البنك البريدي مشروعًا واعدًا… ينتظر أن يتحول من النقاش إلى التنفيذ.

