الرئيسيةآخر الأخبار"لماذا يجدون لذة في سقوط ومعاناة الآخرين؟"

“لماذا يجدون لذة في سقوط ومعاناة الآخرين؟”

في زحام منصات التواصل وأخبار السقوط والفشل والانكسارات الشخصية، يتكرر مشهد مألوف: شخص يعاني أو يفشل، وجمهور يشمت، يضحك، ويعبّر عن “ارتياحه” لما جرى.


هذا السلوك الذي يُعرف في علم النفس بـ”الشماتة” أو “jouissance du malheur d’autrui”، يتجاوز كونه مجرد رد فعل عابر، ليكشف عن أعماق نفسية واجتماعية شديدة التعقيد.

فما الذي يدفع الإنسان للفرح بمصائب غيره؟ ولماذا يبدو التشفي أحيانًا أقرب إلى راحة ضمير جماعية منه إلى قسوة فردية؟

التشفي في علم النفس: صراع داخلي مقنّع

يرى عالم النفس الألماني فريتز هايدَر (Fritz Heider) أن التشفي يكشف عن آلية دفاعية نفسية، حيث يُسقِط الإنسان مشاعر الحسد أو الدونية على الآخر الذي تعرّض للسقوط، فيشعر بالراحة لأنه “لم يكن وحده الضعيف أو الفاشل”.

أما العالمة تانيا شيرغلي (Tanja Scherglie)، فتشير إلى أن التشفي يحدث عندما يُ perceived الآخر على أنه “يستحق العقاب”، فنُبرر فرحتنا بمصيبته على أنها عدالة كونية، أو كما تقول:”نضحك حين يسقط مَن اعتقدنا أنه يمشي بغرور”.

سيغموند فرويد كان له موقف مبكّر من هذا الموضوع، واعتبر أن الشماتة ترتبط بما سماه “لذة الحقد”، وهي إحساس لاواعٍ بالانتصار يخرج حين تُكسر صورة “العدو الرمزي” داخل النفس.

التشفي من منظور علم الاجتماع: انعكاس لبنية المجتمع

يرى عالم الاجتماع بيار بورديو (Pierre Bourdieu) أن الشماتة قد تكون نتاجًا لثقافة تنافسية طبقية، حيث تتأسس القيمة الاجتماعية على المقارنة المستمرة. فحين يسقط من هو أعلى، نشعر بانتصار غير مُستحق لكنه مُرضٍ.

أما المفكر الألماني نوربرت إلياس (Norbert Elias)، فيربط بين التشفي و”ثقافة العقاب الجماعي”، حيث تنشأ مجتمعات تمارس الإقصاء والتشفي كوسيلة للسيطرة على المختلفين أو الناجحين.

ووفق الباحثة الأمريكية سوزان فيسك (Susan Fiske)، فإن الشماتة تزيد في المجتمعات التي تسود فيها مشاعر التهديد والتهميش والانقسام، حيث ينمو الشعور بـ”الآخر كعدو”، ويتحوّل الألم الذي يصيبه إلى فرصة للشعور بالتفوق أو الاستحقاق.

في العصر الرقمي، اكتسب التشفي بُعدًا أكثر علنية وانتشارًا، حيث أصبح سقوط أحدهم خبرًا “viral”، تتداوله الجماهير وتمطره بتعليقات ساخرة وقلوب ضاحكة.
لكن هل الشماتة اليوم أداة ترفيه… أم مرآة لأعماقنا المكسورة؟

يقول الطبيب النفسي الفرنسي بوريس سيرولنيك (Boris Cyrulnik):”حين نفرح بألم الآخر، فنحن لا نراه كإنسان، بل كأداة لشفاء جراحنا الخاصة… تلك التي لم نداوها”

تأثير الفرح بحكم السجن على العلاقات الاجتماعية في تونس:

1. الشماتة في الفشل السياسي

في بعض الحالات السياسية، خاصة في حال كانت الشخصية التي تم الحكم عليها بالسجن تشتهر بآراء أو مواقف سياسية مثيرة للجدل، يظهر بعض الأفراد فرحة خفية أو شماتة عند حدوث هذا الحكم. الفرح بمعاناة الشخص المحكوم عليه يمكن أن ينبع من كون الشخص خصمًا سياسيًا أو اجتماعيًا، وهذا يعد نوعًا من الانتقام الرمزي.
على سبيل المثال، إذا كانت المرأة في السياسة تتبنى مواقف مغايرة أو حتى متطرفة، قد يفرح بعض الناس لرؤيتها في موقف ضعف، كما إذا كانوا يشعرون بأن العدالة قد تحققت.

مثال في تونس: حالة المرأة السياسية التي تتعرض للانتقاد بسبب مواقفها أو مشاركتها في قضايا مثيرة، قد يفرح البعض عندما تتعرض لمشكلة قانونية أو يُحكم عليها بالسجن. يُنظر إلى هذا الحكم كعقوبة على مواقفها أو تصرفاتها، مما يعزز من مشاعر التفوق عند الآخرين.

2. التمييز الاجتماعي ضد النساء

في بعض الأحيان، قد يظهر التشفي بشكل أوضح عندما يكون الحكم على امرأة، بسبب التصورات المجتمعية التقليدية التي تربط بين المرأة ودورها الاجتماعي، مما يجعل المجتمع ينظر إلى النساء اللواتي يتعرضن للمشاكل القانونية بشكل أكثر قسوة. إذا كانت المرأة قد أساءت في مواقف اجتماعية أو مهنية، قد يتعامل معها المجتمع بشكل أقل تسامحًا مقارنةً بالرجل، مما يُسهم في زيادة مشاعر التشفي.

مثال في تونس: عند حكم محكمة على امرأة متهمة في قضايا فساد أو قضية اجتماعية مثيرة،أو ذات بعد سياسي يمكن أن يظهر بعض الناس فرحًا بسبب الصورة النمطية التي تحكم بها المرأة في مثل هذه القضايا. يُنظر إلى هذا الحكم أحيانًا على أنه تحقيق للعدالة، كما لو أن المرأة تستحق ما جرى لها، وهو ما قد يعكس تضاعف تأثيرات التمييز ضدها.

3. العدالة الاجتماعية والطبقية

يُضاف إلى ذلك أن بعض الطبقات الاجتماعية أو المجموعات السياسية قد تشعر بالغضب من السلوكيات التي تخرج عن الأطر المتعارف عليها في المجتمع، وعندما يعاقب الشخص، سواء كان رجلاً أو امرأة، يشعر البعض بشعور من الراحة، ظنًا منهم أن العدالة قد تحققت. هذا يمكن أن يعزز الانقسامات الطبقية والاستقطاب السياسي، خصوصًا إذا كان الشخص المحكوم عليه ينتمي إلى فئة تعتبر ذات مكانة أعلى.

4. الموضة الإعلامية: تعزيز التشفي في الإعلام

وسائل الإعلام تلعب دورًا في تعزيز التشفي الاجتماعي، خاصة إذا كانت تركز بشكل مكثف على القضايا القانونية لشخصية معينة، سواء كانت امرأة أو رجل. عندما تركز وسائل الإعلام على فضائح قانونية أو فضائح اجتماعية لامرأة معينة، قد يعزز ذلك الإحساس بالعدالة الكونية لدى البعض ويظهر على شكل سخرية أو تهكم في منصات التواصل الاجتماعي.
في حالة النساء اللواتي يُحكم عليهن بالسجن، قد تتزايد هذه الظاهرة بسبب التركيز الإعلامي على الأبعاد الجنسية أو الاجتماعية للمرأة، مما يساهم في زيادة التشفي والتسلية على حساب معاناتهن.

مثال في تونس: يمكن أن نلاحظ أحيانًا كيف يتم تضخيم قضايا النساء في الإعلام، مما يجعلها محط أنظار الجمهور، وعند تعرض إحداهن لعقوبة قانونية، قد يتحول ذلك إلى حدث للانتقام الرمزي أو المتعة الاجتماعية.

في مقابل التشفي… هناك التعاطف

التشفي ليس حتميًّا. فحسب دراسات حديثة، فإن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المرتفع، والثقة بالنفس، والقدرة على بناء علاقات صحية، يميلون أكثر إلى التعاطف بدل الشماتة.

هؤلاء لا يحتاجون لسقوط الآخرين ليشعروا بالرضا عن ذواتهم، لأنهم بَنوا توازنهم الداخلي على الاحترام لا المقارنة، والرحمة لا الغيرة.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!