جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن تونس تواجه واحدة من أعلى نسب انتشار الأمراض غير السارية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تُعزى نحو 86% من الوفيات إلى أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والجهاز التنفسي والسكري والسرطان، فيما تمثل أمراض القلب وحدها أكثر من 30% من مجموع الوفيات.
وحسب التقرير تشهد البلاد ارتفاعًا حادًا في نسب السمنة والسكري، لا سيما في صفوف النساء والشباب. ويرتبط هذا الوضع بعدة عوامل هيكلية، منها التحضر السريع، وانعدام الأمن الغذائي، والبطالة، وأنماط الحياة غير الصحية، مثل سوء التغذية وقلة النشاط البدني، إلى جانب ارتفاع معدلات التدخين خصوصًا بين الشباب والنساء.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة التونسية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، تبنت مقاربة “الصحة في جميع السياسات”، إدراكًا منها بأن النتائج الصحية تتأثر بمجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.
وتقوم هذه المقاربة على إشراك قطاعات متعددة تتجاوز المجال الصحي، مثل التربية والتعليم العالي والثقافة والشؤون الدينية والرياضة والمجتمع المدني، من أجل معالجة المحددات الأوسع للصحة ومتابعة التقدم المحرز بشكل مشترك.
كما أبرز التقرير برنامج “المدن الصحية” الذي يُساعد البلديات على تعزيز الرفاه عبر تحسين الحوكمة الحضرية وتشجيع المشاركة المدنية والوقاية من السلوكيات الخطرة مثل تعاطي المخدرات، إلى جانب خطة العمل التشغيلية للسلامة المرورية 2024-2034 التي تهدف إلى تقليص عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بنسبة 50% بحلول سنة 2034، من خلال مقاربة تشاركية تجمع بين مختلف المتدخلين من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
وأكد التقرير أن السياسة الصحية الوطنية لتونس في أفق 2030، التي تم اعتمادها رسميًا سنة 2021 عبر توقيع الميثاق الوطني لإصلاح المنظومة الصحية، ساهمت في دفع الوقاية من الأمراض غير السارية إلى مقدمة الأجندة الوطنية، مع ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية ومشاركة المواطنين. كما أبرز التقرير الاستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها (2018-2025)، التي مكنت من تحقيق تقدم ملموس رغم التحديات، من خلال خطط عمل ممولة ومتكاملة مع أولويات التنمية الوطنية، وتعديل التشريعات الخاصة بمكافحة التدخين ورفع الضرائب عليه، إلى جانب حملات توعية مثل “اليوم العالمي للامتناع عن التدخين” و”أكتوبر الوردي” و”اليوم العالمي للسكري”.
وأشاد التقرير بالشراكات بين وزارة الصحة ووزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية، وبالجهود البحثية في مجال السرطان، خاصة الدراسات المنجزة في معهد صالح عزيز، وبميثاق مكافحة التدخين الذي تم توقيعه سنة 2023 من قبل تسعة وزراء، ما يعكس التزامًا سياسيًا جماعيًا لحماية المواطنين من مخاطر التبغ. ولفت التقرير إلى المبادرات المجتمعية والثقافية المبتكرة، مثل “ساحة سينما” بحي هلال، التي حولت السينما إلى أداة توعية حول التدخين والصحة النفسية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ومشروع “المسرح من أجل الصحة” في رأس الجبل بالتعاون مع الفنان رؤوف بن يغلان، ومبادرة “العائلة تتحرك” التي جمعت أكثر من 29 ألف مشارك في مختلف الولايات لتعزيز النشاط البدني والتوعية بمخاطر التدخين.
وأكد التقرير أن تجربة تونس تُبرز أهمية دمج الصحة مع الثقافة والرياضة لتشجيع أنماط حياة صحية، وتحويل الصحة من مجرد قضية طبية إلى هدف مجتمعي مشترك، من خلال تلاقي الإرادة السياسية والانخراط المجتمعي والعمل متعدد القطاعات.

