تحلّ اليوم الذكرى السنوية لمعركة رمادة، إحدى أبرز المحطات في تاريخ المقاومة المسلحة من أجل الجلاء الوطني (1956–1963).
معركة خالدة كتب تفاصيلها رجال صدقوا العهد، يتقدمهم الشهيد مصباح الجربوع، الذي سطّر بدمه ومقاومته واحدة من أروع صور التضحية في الجنوب التونسي، في مواجهة الاحتلال الفرنسي.
مصباح الجربوع… أيقونة الجنوب المقاوم
في فجر يوم 25 ماي 1958، اندلعت شرارة معركة رمادة حين هاجمت القوات الفرنسية مواقع المقاومة الوطنية في الجنوب. كان الشهيد مصباح الجربوع في مقدّمة الصفوف، يحمل رشاشه المتطور في مواجهة العدو المدجج بالسلاح والطيران. أبدى مع رفاقه مقاومة شرسة أربكت حسابات الجيش الفرنسي، الذي تكبّد خسائر بشرية ومادية غير متوقعة.
وقد بلغ وقع المعركة أن اضطر الجنرال الفرنسي “مولو” إلى الاستنجاد بقيادته العليا، محذّراً من أن تونس قد تتحوّل إلى “ديان بيان فو” جديدة — في إشارة إلى الهزيمة التاريخية التي منيت بها فرنسا في الهند الصينية قبل أربع سنوات فقط.

رشاش الشهيد… من ساحة المعركة إلى المتحف
اليوم، لا يزال رشاش الشهيد مصباح الجربوع محفوظاً في المتحف العسكري الوطني بمنوبة، حيث يُعرض ضمن قسم “المقاومة المسلحة” إلى جانب أسلحة ووثائق وشهادات تؤرّخ للمرحلة الحاسمة من نضال التونسيين ضد الاستعمار الفرنسي.
هذا السلاح ليس مجرد قطعة حديد، بل هو رمز ناطق بالتاريخ والمجد، يذكّر الأجيال الجديدة بالتضحيات الجسام التي قُدّمت في سبيل تحرير البلاد، ويعيد الاعتبار لأبطال منسيين كتبوا بدمائهم فصول الكرامة الوطنية.
معركة رمادة… ملحمة من أجل الجلاء
تُصنّف معركة رمادة ضمن أهم المعارك التي مهّدت لطرد الاستعمار من البلاد، إلى جانب معارك الحدود الغربية ومعركة بنزرت. وقد أظهرت هذه المواجهة مدى قدرة التونسيين، رغم ضعف العتاد، على الإبداع في القتال والصمود في وجه قوى كبرى.
الذاكرة لا تموت
في مثل هذا اليوم، تعود الذاكرة الوطنية لتُحيي بطلاً اسمه مصباح الجربوع، ولتؤكد أن الحرية لم تكن منحة، بل كانت ثمرة نضال عنيد وسواعد لا تعرف الهزيمة. وقد آن الأوان لإعادة تسليط الضوء على هذه المحطات، لا فقط من باب التأريخ، بل من باب الوفاء والاعتراف والاقتداء.

