صدرت مؤخرًا ترجمة أو عرض لكتاب يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، بعنوان سيف الحرية. بعيدًا عن كونه مذكرات شخصية نمطية، يقدّم الكتاب فيلْسفة عملية حول «البقاء الاستراتيجي» للدولة: كيف تُبنَى قوة الردع في الدرجة الأولى على العقلية والقرارات، لا فقط على ترسانة الدبابات والطائرات.
الرسالة المركزية
الرسالة الجوهرية التي يسوّق لها كوهين بسيطة لكنها حاسمة: الردع يبدأ بالعقلية. الاستعداد النفسي والقدرة على اتخاذ ضربة استباقية مدروسة تشكلان العمود الفقري لردع فعال.
بعبارة أخرى، القوة الحقيقية للدولة ليست قياسًا للأدوات العسكرية وحدها، بل للنية، والإرادة، والقدرة على التنفيذ الدقيق عندما تقتضي الضرورة.
الاستخبارات البشرية مقابل التكنولوجيا
من الدروس البارزة في الكتاب أن الاستخبارات البشرية تملك تأثيرًا لا تستطيع التكنولوجيا وحدها إدراكه أو استبداله. العلاقات الشخصية، الشبكات الموثوقة، والقدرة على زرع مصادر موثوقة داخل الساحات المعادية ــ كل ذلك قادر على تغيير موازين القوة قبل بدء أي مواجهة مفتوحة.
التكنولوجيا قد تعطي معلومات، لكنها لا تضمن فهماً سياقياً أو قدرة على التأثير السياسي المباشر كما تفعل الاستخبارات البشرية الجيدة.
محطات لافتة في مسيرة كوهين
يستعرض الكتاب بعض العمليات والإنجازات التي يقدّمها كوهين كنماذج لفعالية العمل الاستخباري:
- قصة سرقة الأرشيف النووي الإيراني كنموذج لعملية استخباراتية أغيرت مشهدًا جغرافيًا وسياسيًا واسع النطاق.
- اتفاقات أبراهام كمثال على أن الموساد ودور الاستخبارات يمكن أن يساهموا في خلق تحوّلات دبلوماسية كبرى بعيدا عن الأضواء.
الهدف من عرض هذه المحطات ليس التبجّح بالنجاحات، بل إظهار كيف تُصنع النتائج الاستراتيجية من خلال عمل متقن، طويل الأمد، ومبني على اختيارات مدروسة.
الموساد كدبلوماسية ظلّ
يعيد كوهين تعريف وظيفة الموساد: ليست مجرّد تجسّس، بل «دبلوماسية ظل» تعمل لبناء جسور ثقة متبادلة — حتى أحيانًا مع خصوم — إذا كان ذلك يخدم المصالح الوطنية. هذا البُعد يُبرز أن العمل الاستخباري لا يقتصر على جمع المعلومات بل يمتد إلى خلق فرص سياسية خارج القنوات الرسمية أحيانًا.
تحوّل في دور القيادات الأمنية
ينطلق كوهين نحو فكرة أكثر إثارة للجدل: احتمال أن ينساب رجال الأمن والاستخبارات إلى ساحات السياسة. يعرض الكتاب نموذجًا لقيادة براغماتية أمنية قد تمارس نفوذاً سياسياً مباشراً أو غير مباشر، ويطرح تساؤلات حول حدود دور الأجهزة الأمنية داخل بنية الدولة المدنية والسياسية.
خلاصة عملية ومنهجية
يقدم سيف الحرية وصفة عملية للبقاء: وضوح الهدف، صلابة أخلاقية، ودقّة عملياتية. تلك الثلاثية — بحسب كوهين — ليست رفاهية إستراتيجية بل شرط لنجاة الدولة في بيئة تهديدات معقّدة. ويؤكد أن الدروس ليست حكرًا على إسرائيل؛ في حالات مماثلة، أي دولة يمكنها الاستفادة من مزيج مماثل من العقلية، القدرات البشرية، والتخطيط الدقيق.
ما الذي يعنيه ذلك للقارئ العام؟
الكتاب يقدّم نظرة داخلية على كيفية تفكير أجهزة الاستخبارات في رسم الخيارات الكبرى للدولة. بالنسبة للعامة، الرسالة هي أن الأمن الوطني لا يُبنى بالاقتصار على القوة العسكرية أو التكنولوجيا فقط، وأن العلاقات البشرية والتدابير الوقائية العقلانية قد توفران حماية فعّالة أكثر من مجرد استعراض للقوة.
سيف الحرية ليس مجرد سرد لعمليات، بل كتيّب مفاهيمي عن «الفكر الاستراتيجي» في زمن التحوّلات. سواء اختلف القارئ مع سياسات كوهين أو لا، فإمكانه أن يستخلص درسًا عمليًا: البقاء يتطلب وضوح رؤية، معايير أخلاقية متينة، وتنفيذًا عمليًا محكمًا — وهي مقاربة قد تبدو قاسية للبعض لكنها تمثل، بحسب مؤلفها، واقعًا لا يمكن تجاهله في عالم السياسة والأمن.

