منذ أيام، صُدم الرأي العام التونسي بحكم الإعدام الذي أصدرته الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية في نابل ضدّ متهم على خلفية نشره تدوينات على موقع فايسبوك تضمّنت انتقادات قاسية لرئيس الجمهورية قيس سعيّد.
ووحسب تقرير للمذكرة القانونية استندت المحكمة في حكمها إلى الفصل 72 من المجلة الجزائية التونسية، معتبرة أنّ الغاية من تلك التدوينات هي “تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي”.
ويُلاحظ أنّ التوصيف القانوني الذي اعتمدته المحكمة هو ذاته الذي تبنّته كلّ من النيابة العمومية في نابل (جهة الادعاء) وقضاء الاستقراء بالمحكمة نفسها وبـمحكمة الاستئناف بنابل (جهة الاتهام)، ما يعكس توجهاً قضائياً موحداً في توصيف الأفعال.
قرار قضائي معاكس من سليانة
وفي سياق متصل، نشرت المفكرة القانونية قراراً صادراً عن الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف في سليانة بتاريخ 10 جوان 2025، ذهبت فيه المحكمة إلى اتجاه مغاير تماماً، إذ أصدرت حكماً بـعدم سماع الدعوى، وأسقطت التهمة في قضية تتطابق وقائعها مع قضية نابل تقريباً.
فبينما رأت محكمة نابل أنّ التدوينات تستوجب عقوبة الإعدام، اعتبرت محكمة سليانة أنّها لا تستوجب أي ملاحقة جزائية، لعدم ثبوت الضرر أو وجود أثر واقعي على سلامة الأفراد أو الممتلكات.
التباين في منطوق الحكمين يبرز أنّه، ورغم ما تعيشه تونس من تراجع في ضمانات استقلالية القضاء، ما يزال هناك قضاة متمسكون بحماية الحقوق والحريات. ويُعدّ الحكم الصادر عن جنائية سليانة مثالاً بارزاً على هذا التيار المهني المقاوم.
حيثيات قرار الاستئناف في سليانة
القاضية نائلة الشبلي، التي تولّت تسبيب القرار، استندت في حيثياتها إلى الشريعة الإسلامية لتؤكد أنّ نزاهة الإثبات قيمة أخلاقية ذات قدسية خاصة يتعيّن على المحاكم الالتزام بها.
وبيّنت أنّ هيئة المحكمة، برئاسة القاضي عمر اليحياوي وعضوية المستشارين بلقاسم كعوان ومحمد العفيف الجعيدي وسنى الزغدودي، عاينت خروقات خطيرة لجهة الادعاء والبحث، تمثلت في اعتماد أدلة تم انتزاعها بطرق مخالفة لقواعد الإثبات الجزائي.
وبناء على ذلك، قررت المحكمة بطلان الإجراءات وعدم سماع الدعوى، حمايةً لحقوق المتهم وضماناً لمحاكمة عادلة.
وإذ نشرت المفكرة القانونية هذا القرار، فقد دعت قراءها إلى التفاعل والتعليق، تأكيداً على أنّ القضاء شأن عام يهمّ المواطنين في حرياتهم وحقوقهم، وأنّ متابعته ونقده وإبداء الرأي بشأنه يُعدّ شكلاً من أشكال الدفاع عن سيادة القانون.
للاطلاع على نص الحكم اضغط على الرابط التالي المفكرة القانونية

