قدّم الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، أمس الأحد 2 نوفمبر 2026، خلال لقاء جمعه بعدد من النواب بدعوة من رئيس حزبهم، قراءة نقدية لمشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2026، مرفقة بجملة من المقترحات العملية، منتقدًا ما وصفه بـ”المنحى المحاسباتي” للمشروع وغياب الرؤية الاقتصادية الشاملة.
وقال الشكندالي إنّ الظرف الاقتصادي العالمي للسنة القادمة سيكون في صالح تونس، مشيرًا إلى تحسن مرتقب في اقتصاد منطقة الأورو وتراجع متوقع في أسعار النفط إلى ما دون 55 دولارًا للبرميل، وفي أسعار القمح إلى أقل من 250 دولارًا للطن، وهو ما يوفر فرصة لتخفيف الضغوط على الاقتصاد الوطني.
لكنه أوضح في المقابل أنّ النمو الاقتصادي في تونس هشّ ويعتمد أساسًا على الاستهلاك الخاص، في ظل تعطّل الاستثمار الخاص والعمومي وتراجع التصدير. ودعا إلى أن يدعم قانون المالية هذا المحرك الأساسي دون المساس بالمقدرة الشرائية، مع ضرورة اتخاذ إجراءات تحفيزية لقطاعي الفلاحة والسياحة ودعم التونسيين بالخارج.
وانتقد الشكندالي ضعف إنجاز نفقات الدولة خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، خاصة في المجالين الاجتماعي والاستثماري، معتبرًا أنّ الحكومة لم تفلح إلا في تسديد الديون الداخلية والخارجية “على حساب حاجيات التونسيين الأساسية”.
كما وصف سياسة “الاعتماد على الذات” التي ترفعها الحكومة بأنها “شعار بلا مضمون”، إذ مازالت تعتمد على الاقتراض الخارجي، لتعود في النهاية إلى الاقتراض الداخلي، بما في ذلك التمويل المباشر من البنك المركزي. ودعا في هذا السياق إلى تحديد سقف قانوني للاقتطاع المباشر من البنك المركزي وربطه فقط بتمويل نفقات الاستثمار، مع إنشاء لجنة رقابية مشتركة بين البرلمان ومجلس الأقاليم والبنك المركزي ووزارة المالية لمتابعة توجيه هذه القروض نحو مشاريع إنتاجية.
وأشار الخبير إلى أنّ المشروع الحالي “يقدّم مفهومًا خاطئًا للدولة الاجتماعية”، إذ يحصر دورها في التوظيف وزيادة الأجور وتقليص عجز الصناديق الاجتماعية، بينما “الدور الحقيقي للدولة يكمن في تحسين جودة الخدمات الاجتماعية”.
وانتقد أيضًا الامتيازات الممنوحة للشركات الأهلية دون غيرها، معتبرا أنها “تكرّس اقتصاد الريع” ولا تدفع نحو النمو، مضيفًا أن خطوط التمويل المقترحة “ضعيفة وغير مغرية للفاعلين الاقتصاديين”.
كما لاحظ أنّ المشروع “قانون جباية بامتياز”، إذ ارتفعت الموارد الجبائية بـ3.3 مليار دينار مقابل زيادة إجمالية بـ3 مليارات دينار فقط، معتبرًا أن “القانون محاسباتي يفتقد لرؤية اقتصادية لتحقيق النمو المفترض بنسبة 3.3%، في حين لا تتجاوز توقعات البنك الدولي 2.4%”.
ودعا الشكندالي إلى مراجعة التخفيض في ميزانية وزارة الصناعة والطاقة والمناجم لما لذلك من أثر على معالجة أزمة المجمع الكيميائي بقابس وتجديد أسطول السكك الحديدية لنقل الفسفاط.
وفي ما يتعلق بالزيادة بـ900 مليون دينار في كتلة الأجور، حذر من أن هذا المبلغ “لن يكون كافيًا للحفاظ على المقدرة الشرائية”، خاصة مع الانتداب المزمع لـ51 ألف موظف جديد.
كما أكد أن تونس “تتقدم في تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي”، في ظل تراجع نسب الدعم والأجور من الناتج الداخلي الخام، ما يجعل “التفاوض مع الصندوق أكثر يسرا وأقل كلفة”.
مقترحات عملية
قدّم الشكندالي مجموعة من المقترحات أبرزها:
- توجيه جزء من القروض المباشرة من البنك المركزي نحو تمويل اللاقطات الفوتوفلطائية لفائدة العائلات والمصانع، لتقليص كلفة الطاقة والعجز التجاري.
- إلغاء امتياز التقاعد المبكر للوزراء والنواب والولاة ورؤساء الحكومات، باعتباره إجراء غير عادل ويثقل كاهل الصناديق الاجتماعية.
- مراجعة منظومة الدعم على المحروقات إذا ثبت أن الأداءات عليها تفوق كلفة الدعم، مع فرض رسوم إضافية على السيارات الفارهة عند ارتفاع أسعار النفط.
- دعم الأعلاف لتشجيع تربية الماشية وخفض أسعار اللحوم والبيض.
- تخفيض تدريجي في الأداء على جرايات المتقاعدين لتحسين ظروف عيشهم.
- رفض فرض ضريبة على الثروة لما قد تسببه من تفتيت للملكية وانتعاش للاقتصاد الموازي.
- الحد من التكاليف البنكية غير القانونية عبر رقابة صارمة من البنك المركزي.
- التدخل لتقليص أسعار الأدوية بما يتلاءم مع المقدرة الشرائية.
- اعتماد نسبة أداء تنازلية على أرباح الشركات لتحفيزها على التصريح الحقيقي بمداخيلها وتقليص التهرب الجبائي.
وختم الشكندالي بأن الإصلاح المالي الحقيقي لا يكون برفع الضرائب أو الشعارات، بل بتحريك الاستثمار المنتج وتحسين العدالة الجبائية والاجتماعية.

