حذّر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي من أن التنصيص في مشروع قانون المالية لسنة 2026 على الزيادة في الأجور والمرتبات في القطاعين العام والخاص وجرايات المتقاعدين بعنوان سنوات 2026 و2027 و2028 يمثل خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، ويحمل مخاطر جدية على المقدرة الشرائية وعلى آلية التفاوض الاجتماعي.
سابقة في تاريخ قوانين المالية
وأوضح الشكندالي أن هذه هي المرة الأولى التي تنصّ فيها الدولة بشكل صريح على زيادة في الأجور لثلاث سنوات متتالية داخل قانون مالية، مذكّراً بأن الترفيع في الأجور تمّ في بداية السبعينات دون مفاوضات اجتماعية، لكن دون أي إدراج قانوني مسبق ودون المسّ بدور الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان شريكاً في صناعة السياسات الاقتصادية آنذاك.
مقاربة سياسية لإبعاد “الأجسام الوسيطة”
ويرى الشكندالي أن هذا التمشي يندرج ضمن مقاربة تقوم على الديمقراطية المباشرة التي تعتبر أن الدولة لا تحتاج إلى وسطاء اجتماعيين، وهو ما يعني عملياً إقصاء المنظمة الشغيلة من تحديد نسب الزيادات أو التفاوض حولها.
لكنّه حذّر من أن غياب التفاوض الاجتماعي يضعف ضمانات التنفيذ.
زيادة غير مضمونة… وأرقام الميزانية لا تكفي
اعتبر الشكندالي أن الزيادة المقترحة غير مضمونة قطعياً في سنة 2026، لعدة أسباب:
1. كتلة الأجور لا تتحمّل زيادتين: الانتدابات + الترفيع
- تمّ تخصيص 900 مليون دينار فقط لارتفاع كتلة الأجور (من 24.4 إلى 25.3 مليار دينار).
- هذا المبلغ لا يكفي لتغطية أجور 51,878 منتدَباً جديداً وفي الوقت ذاته صرف زيادات محترمة، ما يعني أنّ الزيادات قد تكون ضعيفة جداً أو مؤجَّلة إلى 2027.
2. النفقات غير الموزعة (1.8 مليار دينار) غير مضمونة التمويل
هذه النفقات مرتبطة بقدرة الدولة على تعبئة موارد جبائية تقدَّر بـ 47.8 مليار دينار، أي بارتفاع 3.3 مليار دينار، إضافة إلى موارد الاقتراض الخارجي المقدّرة بـ 6.8 مليار دينار، رغم الصعوبات التي أظهرتها السنوات الماضية.
وذكّر الشكندالي بأن:
- تونس لم تجمع في 2023 سوى 5.8 مليارات دينار من أصل 14.5 مليار مبرمجة.
- وفي 2024 لم تحصل إلا على 3.5 مليارات من 16.5 مليار مقررة.
وهو ما يجعل فرضية تحقيق أرقام 2026 “ضعيفة جداً”، خاصة بعد توقف مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
3. تضخم يلتهم أي زيادة
يشير الشكندالي إلى أن:
- التضخم الحقيقي على المواد الأساسية يتجاوز 15%.
- متوسط التضخم في السنوات الخمس الأخيرة بلغ 7.2%.
- ونسبة التضخم للسنة الحالية 5.4%.
ويؤكد أن الموارد المرصودة في الميزانية لا تسمح بزيادات بهذه النسب، وبالتالي فإن أي ترفيع محتمل لن يعوّض تدهور المقدرة الشرائية.
دون مفاوضات… لا أحد يجبر الدولة على التنفيذ
مع غياب نص يحدّد نسبة الزيادة ومع غياب مفاوضات مع الاتحاد، تصبح الحكومة غير ملزمة، وقد تتذرّع بتوازنات المالية العمومية لتأجيل أو تقليص الزيادة.
وأشار الشكندالي إلى أن الدولة قد تلجأ مستقبلاً إلى التمويل المباشر من البنك المركزي، وقد سبق أن برمجت 11 مليار دينار منه في قانون المالية 2026.
الدولة الاجتماعية: أين يجب أن تضع مواردها؟
يعتبر الشكندالي أن دور الدولة الاجتماعي الحقيقي لا يتمثل في انفرادها بتحديد الزيادات، بل في:
- تحسين جودة التعليم
- تطوير الصحة العمومية
- إصلاح النقل والخدمات الأساسية
فهذه الإجراءات هي التي تحسّن فعلياً المقدرة المعيشية، على حد قوله، في حين تبقى الزيادات المجردة دون تفاوض “آلية قاصرة” لا تحمي المواطن من التضخم.

