أثارت دعوة صادرة عن مؤسسة عبد الجليل التميمي لعقد ندوة يُزمع أن تؤثثها شخصية مجهولة، قيل إنها تملك “ملفات” خطيرة تتعلّق بقضاة ومسؤولين سابقين، جدلًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية والقضائية والإعلامية، خاصّة بعد تداول أسماء شخصيات وازنة، على غرار القاضي عفيف الجعيدي، ضمن ما اعتُبر “افتراءات وتشويهات بلا بيّنة ولا دليل”.
الندوة التي كان يُفترض تنظيمها السبت ، تم تأجيلها في آخر لحظة، الأمر الذي لم يخفف من حدّة الانتقادات، بل زادها اشتعالًا، إذ اعتبر البعض أن التأجيل لم يكن سوى “عذر أقبح من ذنب”، على حد تعبير المدون عمر عبد القادر، الذي وصف الأمر بأنه “مواصلة في الإيذاء والتشهير المقنّع”.
من جهته، شنّ الباحث والأكاديمي عبيد الخليفي هجومًا لاذعًا على المؤسسة وصاحبها، المؤرخ عبد الجليل التميمي، متهمًا إياه بـ”الوقاحة ورفض الاعتذار وسحب منشور يهتك أعراض الناس”، مضيفًا في تدوينة غاضبة: “طوال حياتي المعرفية لم أحترمك يومًا لأنني أعرفك جيدًا”.

أما القاضي عفيف الجعيدي، الذي ورد اسمه في منشورات المؤسسة، فقد كذّب بشكل قاطع ما نُسب إليه، مؤكدًا أنّه لم يهدد أحدًا، ولم يُراسل صاحب الندوة بأي شكل من الأشكال، مندّدًا بما اعتبره “إمعانًا في التجني والاعتداء المجاني”.
الجعيدي ” عبر عن نيته التقدّم بمسار قانوني ضد المؤسسة، داعيًا كل المتضررين إلى التواصل معه لتنسيق جهود المساءلة القضائية، متعهدًا بأن يخصّص أي تعويض مادي لفائدة مكتبة كلية الآداب “لأننا نحتاج مؤرخين وأدباء حقيقيين”، على حد تعبيره.

في السياق ذاته، عبّر العديد من النشطاء والمدونين عن استنكارهم لتحوّل مؤسسة بحثية مرموقة إلى “منصة لترويج الشائعات دون تدقيق أو احترام لأبسط قواعد البحث العلمي”، مشيرين إلى أن الخطورة لا تكمن فقط في التشهير، بل في إصرار المؤرخ عبد الجليل التميمي، رغم تقدم سنّه ومكانته الأكاديمية، على تجاهل موجة النقد وعدم التراجع عن الخطأ أو الاعتذار للمتضررين.
المدوّن المعروف محرز بلحسن لم يتردد في وصف ما حدث بأنه “نسخة جديدة من دبو المنيهلة في ثوب أكاديمي”، مشيرًا إلى أن نشر الاتهامات الخطيرة دون تثبّت أو انتظار لحقّ الردّ، يعدّ “انحدارًا خطيرًا لا يليق بمؤسسة علمية محترمة”.

في خضم التعليقات الساخرة والناقمة، كتب رمزي بحرية منشورًا لاذعًا قال فيه: “زيد لوج في باب بنات تو تلقى برشا مرضى نفسيين مقدمين شكايات ضد وكالة الاستخبارات الأمريكية وضد حركة النهضة بكلها من أجل سرقة روايته… وثّق شهادتهم باش يضحكوا عليك الأجيال القادمة، أستاذنا الجليل.”، في إحالة ساخرة إلى نوعية “الملفات” التي روّج لها بعض المشاركين في الندوة المؤجلة.

ما حصل مع مؤسسة التميمي لا يُمكن عزله عن أزمة أعمق تشقّ العلاقة بين النخبة الأكاديمية والمجتمع التونسي، وأحيانًا بين هذه النخب ذاتها. فقد بات واضحًا أن بعض المؤسسات، رغم تاريخها ورصيدها العلمي، تنزلق أحيانًا إلى توظيف رمزية “البحث العلمي” لتبرير ممارسات لا علاقة لها لا بالدقة ولا بالنزاهة، بل تُوظّف لخدمة أجندات ضيقة، شخصية أو سياسية أو حتى انتقامية.
هذا الانزلاق يضع علامات استفهام جوهرية حول آليات الرقابة الأخلاقية داخل الحقل الأكاديمي، وحول غياب هياكل مستقلة تُحاسب عندما تتحوّل المنصات العلمية إلى أبواق للتشويه.
إن ما حدث لا يمس فقط بشخصيات بعينها، بل يهدد الثقة في البحث الأكاديمي برمّته، ويطرح بإلحاح ضرورة تجديد العقد الأخلاقي الذي يربط المؤرخ والمثقف بالمجتمع، على أساس الشرف المعرفي، واحترام الكرامة الإنسانية، والتمسك بالحقيقة، لا الإثارة.

