في رسالة مؤثّرة حملت طابع الاعتراف واللوم الذاتي معًا، وجّه الفنان المسرحي الكبير توفيق الجبالي رسالة مفتوحة إلى المحامية والحقوقية سنية الدهماني وإلى جميع من يعتبرهم «سجناء رأي» في تونس، مستعيدًا تفاصيل المرحلة القاسية التي مرّت بها ومعلّقًا على صرختها الشهيرة من داخل محبسها: “نحب نروح لداري.”
يصف الجبالي تلك الجملة التي خرجت من الدهماني وهي خلف الجدران العالية بأنها كانت «أثقل من السجن نفسه»، موضحًا أنّها لم تكن مجرد طلب للخروج، بل إعلان صارخ عن الظلم وسلب الإنسان حقّه الطبيعي في العودة إلى بيته.
ويكتب الجبالي: «صرخة بسيطة… لكنها كانت إعلانًا عن ظلمٍ لا يُطاق، وعن إنسانة تُنتزع منها أبسط حقوقها.»
ورغم الإفراج عن الدهماني قبل أيام، يؤكد الجبالي أنّ الخروج من السجن لا يمحو الليالي الثقيلة التي عاشتها، ولا يقدّم تفسيرًا مقنعًا حول سبب وجودها خلف القضبان أصلًا.
ويضيف بأسى: «لم نخرج سالمين نحن الذين كنا خارج الأسوار… لم نخرج من ذنب التفرّج.»
ويصف «اطمئنان الناس بأن الأمر لا يحدث لهم» بأنه شكل من أشكال التواطؤ غير المقصود.
الجبالي الذي عرف الدهماني خلال مشاركاتها في “التياترو ستوديو”، يستعيد مواقفها بشجاعة على الركح وكيف كانت تستخدم السخرية لتفكيك الواقع لا لتخفيفه، مؤكدًا أن ما تعرّضت له لم يكن درسًا في السياسة بل درسًا في هشاشة المجتمع.
ويقول: «ما لم نحتسبه هو ذلك المتربّص الحقيقي خارج اللعبة… الذي لا يرى الفنّ ولا يفهم الحرية، ولا يقيس وزن كلمة تُقال بضمير.»
يعتبر الجبالي أنّ عودة الدهماني إلى بيتها ليست مجرد «رجوع» بل «استعادة»، استعادة لصوت حاول البعض إسكاتَه، ولحضور أرادوا محوه، ولإنسانة لم تطلب سوى حياة بكرامة وحرية.
ويختم رسالته مرحّبًا بها:
«مرحبا بكِ بيننا… ومرحبًا بذلك الضوء الذي لم تستطع القضبان أن تطفئه، ولا أن تمنع صداه: نحب نروح لداري.»

