منذ سنوات، تخوض تونس معركة طويلة ضد التدخين الذي يُعدّ أحد أبرز أسباب الوفيات المبكرة والأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب.
غير أن نقطة التحول في هذه المواجهة جاءت بفضل التعاون الوثيق بين وزارة الصحة التونسية ومنظمة الصحة العالمية، الذي مكّن من الانتقال من مجرد حملات توعوية إلى سياسات مالية وتشريعية صارمة، أبرزها رفع الضرائب على منتجات التبغ.
ففي إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها (2018-2025)، ساهمت منظمة الصحة العالمية بدور محوري في إعداد “حالة استثمار” (Investment Case) تُظهر بالأرقام كلفة التدخين على الاقتصاد الوطني.
هذه الدراسة، التي أنجزها خبراء المنظمة بالتعاون مع الهياكل التونسية، بيّنت أن التدخين لا يضر فقط بصحة المواطنين، بل يكلّف الدولة مئات الملايين من الدنانير سنويًا بسبب نفقات العلاج وتراجع الإنتاجية.
استنادًا إلى هذه المعطيات، أوصت المنظمة برفع الضرائب المفروضة على السجائر ومنتجات التبغ الأخرى باعتبارها أداة فعّالة مزدوجة التأثير:
- تقليص الاستهلاك من خلال رفع الأسعار وجعل التدخين أقل جاذبية خاصة لدى الشباب.
- توفير موارد مالية إضافية يمكن توجيهها نحو تمويل برامج الوقاية والعلاج ودعم خدمات الإقلاع عن التدخين.
وقد لاقت هذه التوصيات صدى إيجابيًا داخل مؤسسات الدولة، حيث عملت منظمة الصحة العالمية على تقديم دعم تقني وتشريعي للمشرّعين ووزارة المالية، من أجل مواءمة التشريعات التونسية مع التزاماتها الدولية في إطار اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ.
كما نظمت المنظمة سلسلة من ورش العمل والدورات التدريبية لفائدة الإطارات الحكومية والبرلمانيين، شرحت فيها الأثر الصحي والاقتصادي للتدخين، وأهمية استخدام السياسة الجبائية كوسيلة وقائية.
وفي سنة 2023، تمّ التوقيع على الميثاق الوطني لمكافحة التدخين من قبل تسعة وزراء، وهو حدث وصفته المنظمة بـ”الخطوة المفصلية” التي تترجم الإرادة السياسية في الحد من استهلاك التبغ وتبني سياسات مالية أكثر صرامة.
اليوم، تُعتبر تجربة تونس مثالًا يحتذى به في المنطقة العربية من حيث الجمع بين الإصلاح المالي والسياسة الصحية، إذ لم يعد الحديث عن مكافحة التدخين مجرد شعار، بل سياسة قائمة على الأدلة العلمية، تُسهم فيها منظمة الصحة العالمية كشريك أساسي في التخطيط، والتمويل، والتقييم.
وبحسب خبراء المنظمة، فإن كل زيادة بنسبة 10% في سعر السجائر تؤدي إلى انخفاض بنسبة 4% في الاستهلاك، وهو ما يترجم مباشرة في انخفاض أعداد المدخنين وتحسين الصحة العامة على المدى الطويل.
هل ترغب أن أضيف فقرة ختامية تربط هذه السياسة بتراجع نسبي في عدد المدخنين أو حملات التوعية المواكبة لرفع الأسعار؟

