بعد عقد من الهجوم الإرهابي الذي هزّ قطاع السياحة في تونس عام 2015 وأدى إلى تراجع حاد في الوافدين، تسجل البلاد اليوم واحدة من أبرز قصص النجاح في السياحة العالمية.
فقد أكد تقرير نشره موقع Travel and Tour World اليوم 15 سبتمبر 2025 أن المنظومة السياحية التونسية استعادت حيويتها وتحوّلت إلى نموذج في المرونة والقدرة على التعافي، مستقطبةً ملايين الزوار من أوروبا والولايات المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن السياسات الحكومية التي ركزت على تعزيز الأمن، وتطوير السياحة المستدامة، والترويج للمخزون الثقافي والحضاري، كانت العوامل الأساسية وراء استعادة الوجهة التونسية لمكانتها البارزة.
المؤشرات الرقمية تعكس حجم هذا النجاح: فقد استقبلت تونس 5.3 ملايين سائح إلى حدود منتصف جويلية 2025، أي بزيادة قدرها 10% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع طموح رسمي لبلوغ 11 مليون زائر مع نهاية السنة. وعلى الصعيد الاقتصادي، بلغت العائدات السياحية إلى نهاية أوت 2025 نحو 5.4438 مليار دينار تونسي، أي ما يعادل 1.87 مليار دولار أميركي، مسجلة ارتفاعًا بنحو 8.6% عن السنة السابقة، ما يجعل السياحة أحد أبرز روافد العملة الصعبة للبلاد.
أحد أبرز المؤشرات على استعادة الثقة الدولية هو الارتفاع الكبير في عدد السياح البريطانيين، الذين كانت زياراتهم قد تقلصت بشدة بعد هجوم 2015.
فقد سجلت تونس زيادة قدرها 48% في عدد الوافدين من المملكة المتحدة خلال شهر جوان 2025 مقارنة بالعام السابق، وهو ما أعاد الأرقام إلى مستويات ما قبل الأزمة.
هذا الانتعاش ترافق مع عودة الرحلات الجوية المنتظمة والشارتر وافتتاح مطارات استراتيجية لاستيعاب الطلب المتزايد، ما عزز ثقة السوق البريطانية وشركاء السياحة الدوليين في استقرار الوجهة.
غير أن تونس لم تكتف بالرهان على الشواطئ والمنتجعات، بل اتجهت إلى توسيع عرضها السياحي ليشمل بعدًا ثقافيًا وحضاريًا متكاملاً.
فمواقع مثل قرطاج المصنفة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، والمدينة العتيقة بتونس، ومدينة القيروان بمساجدها العريقة ومدينتها التاريخية، باتت نقاط جذب رئيسية لزوار يبحثون عن تجربة غنية تتجاوز السياحة التقليدية. كما وضعت الدولة خططًا لتعزيز السياحة البيئية من خلال برامج موجهة إلى محميات مثل حديقة إشكل الوطنية، وهو ما ساعد على تكريس صورة تونس كوجهة مستدامة تراعي التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة.
هذه النتائج لم تأت من فراغ، بل كانت ثمرة استراتيجية واضحة المعالم استهدفت إعادة بناء الثقة الدولية عبر تحسين الأمن، تكثيف الحضور الأمني في المناطق السياحية، وتطبيق بروتوكولات حماية دقيقة تعزز إحساس الزائر بالأمان. كما أطلقت حملات ترويجية مدروسة بدقة لأسواق أوروبية كبرى، الأمر الذي انعكس مباشرة على حجم الحجوزات.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه الديناميكية سيعتمد على قدرة تونس على المحافظة على هذا التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة، مع التركيز على تنويع المنتجات السياحية ودمج مزيد من الوجهات الداخلية في الخريطة السياحية.
وإذا ما تحققت التوقعات ببلوغ 11 مليون زائر بنهاية السنة، فستكون تونس قد أغلقت نهائيًا صفحة الأزمة التي أعقبت 2015، لتدخل مرحلة جديدة تؤهلها إلى منافسة أقوى الوجهات المتوسطية على الساحة الدولية.

