أثار اللقاء الأخير الذي جمع خمسة رؤساء دول إفريقية بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ردود أفعال واسعة، بين من رآه فرصة لتعزيز الاستثمارات، ومن اعتبره مشهداً يفتقد للكرامة الوطنية.
من بين أبرز الأصوات المنتقدة، كان موقف الدكتور حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي (CERMAM) وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، الذي عبّر في سلسلة تغريدات عن خيبة أمله مما اعتبره “تنافسًا مذلًا” أمام رئيس أميركي لطالما عبّر عن نظرة دونية للقارة.
“تجار في سوق الجملة”: توصيف لاذع للقاء
في تغريدته التي أثارت تفاعلاً واسعاً، وصف عبيدي مشهد استقبال ترامب لخمسة زعماء أفارقة بأنه كان أقرب إلى سوق جملة، حيث تنافس كل منهم على استعراض ثروات بلاده المعدنية والطاقية.
الرئيس الموريتاني تحدث عن امتلاك بلاده للمنغنيز واليورانيوم وربما الليثيوم، فيما سارع الرئيس السنغالي إلى تقديم عرض للرئيس الأميركي قال فيه: “أنت لاعب غولف ماهر، أقترح إنشاء نادٍ للغولف في السنغال”.
وتساءل عبيدي: “إذا كانت إفريقيا تنعم منذ عقود بكل هذه الثروات، فلماذا لم تُترجم إلى أنظمة حكم راشدة واقتصادات قوية؟ وهل الاستثمار الأجنبي يُنتزع بهذا الشكل المهين؟”
صحف عالمية ترصد تفاصيل اللقاء “الغريب”
ما كتبه عبيدي جاء منسجمًا مع ما وثقته عدة صحف دولية، أبرزها وكالة أسوشيتد برس، التي أشارت إلى أن اللقاء عُقد في سياق تغيّر كبير في السياسة الأميركية، إذ أعلن ترامب إلغاء دعم وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID) لمشاريع الصحة والتعليم في إفريقيا، واستبدالها بمبادرات “تجارية محضة” ضمن مبدأ “أمريكا أولاً”.
في تقرير آخر لـرويترز، كُشف أن إدارة ترامب عرضت على هذه الدول توقيع اتفاقيات تقبل بموجبها استقبال مهاجرين أفارقة تم ترحيلهم من بلدان أخرى، ضمن ما يعرف بـ”دول ثالثة آمنة”، ما اعتبره مراقبون ضغطًا سياسيًا على دول تعاني أساساً من الهشاشة الاقتصادية.
وفي موقف أثار سخرية وانتقادًا واسعًا، نقلت People Magazine عن ترامب مديحه للرئيس الليبيري بسبب “إتقانه للإنجليزية”، متجاهلاً أن اللغة الرسمية في ليبيريا هي الإنجليزية منذ تأسيس الدولة عام 1847. واعتُبر هذا التصريح تجسيدًا للجهل المتغطرس والنظرة الاستعلائية تجاه القارة الإفريقية.
بين الاستثمارات والكرامة: هل من توازن؟
يرى الدكتور حسني عبيدي أن التسابق على استرضاء واشنطن يجب أن لا يكون على حساب الكرامة الوطنية والاحترام المتبادل، مذكّرًا في ختام تحليله بمقولة المفكر الجزائري مالك بن نبي:”الاستعمار ليس من عبث السياسيين ولا من أفعالهم، بل هو من النفس ذاتها التي تقبل ذل الاستعمار والتي تمكّن له في أرضها…”.
خلاصة: حضور بلا سيادة؟
لقاء ترامب بزعماء إفريقيا كشف – بحسب مراقبين – غياب رؤية إفريقية موحّدة، وافتقاد عدد من القادة لمفهوم السيادة في مخاطبة القوى الكبرى. وبينما تحوّلت التنمية إلى مزاد علني على الثروات، ظلت شعوب القارة تنتظر كرامة تعكس ما تختزنه أرضهم من خيرات.

