تواجه شركة الخطوط التونسية أزمة جديدة تُضاف إلى سجلّها المثقل بالإخلالات، بعد ما عاشه مسافروها اليوم في مطار أورلي بفرنسا من معاناة حقيقية بسبب تأجيل رحلة كاملة لمدة 24 ساعة، وسط غياب تام للتنسيق والشفافية في التواصل.
ووفق شهادة الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، فقد اضطر عدد كبير من المسافرين من جنسيات مختلفة – من بينهم أطفال ونساء ومسنّون – إلى البقاء ساعات طويلة في المطار بعد أن أُبلغوا قبل ساعتين فقط من موعد الرحلة برسالة نصية تفيد بتقديم توقيت الإقلاع إلى الثالثة بعد الزوال، عوضًا عن التاسعة ليلاً.
وقد هرع الركاب إلى المطار على وجه السرعة، متكبدين تكاليف تنقل باهظة، ليتفاجؤوا بأن توقيت الرحلة لم يتغير وأن الرسالة كانت نتيجة “خطأ في النظام”، دون أي اعتذار من مسؤولي الشركة. وزادت الفوضى تعقيدًا حين تم إعلام المسافرين لاحقًا بأن الإقلاع تم نقله إلى مطار شارل ديغول دون تحديد موعد أو توفير وسيلة تنقل مناسبة، ما خلّف حالة من الغضب والإحباط الشديدين.


إدانة قضائية في فرنسا
تأتي هذه الفضيحة الجديدة في وقت أصدرت فيه محكمة “مارتيغ” الفرنسية بتاريخ 28 أفريل 2025 حكمًا يُدين الخطوط الجوية التونسية بسبب إخلالها بالتزاماتها تجاه عدد من المسافرين خلال رحلات نظّمتها بين مرسيليا وتونس في عام 2022.
وألزمت المحكمة الشركة بتعويض 13 راكبًا من جنسيات تونسية وفرنسية وكندية، على خلفية معاناتهم من تأخيرات وإلغاءات في رحلات مثل:
- الرحلة TU931 (مرسيليا-تونس) بتاريخ 14 أكتوبر 2022
- إلغاء نفس الرحلة بتاريخ 4 جويلية 2022
- الرحلة TU903 بتاريخ 5 ماي 2022
هذا الحكم يُسلّط الضوء مجددًا على أزمة ثقة حقيقية تُعاني منها الناقلة الوطنية. فوفقًا لتصنيف AirHelp العالمي لسنة 2024، جاءت الخطوط التونسية في المرتبة الأخيرة عالميًا (109 من أصل 109 شركات) بتقييم لا يتجاوز 3.63 من 10، فيما سجّلت 0.2 من 10 في التعامل مع شكاوى الركاب، و4.7 من 10 في الالتزام بالمواعيد.
أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد بيّن تقرير صادر عن شركة OAG أنّ الخطوط التونسية سجلت واحدة من أسوأ نسب الالتزام، حيث بلغت نسبة الرحلات المتأخرة أو الملغاة 58.57%، وهو أداء لم يتفوّق عليه بالسوء سوى الخطوط الجزائرية.
عواقب اقتصادية وصورة مشوّهة
لا تقتصر تبعات هذا الأداء الضعيف على الركاب، بل تشمل أيضًا خسائر مالية مباشرة. فوفقًا للقوانين الأوروبية (EC 261/2004)، تتحمل الشركة تكاليف تعويضات، إقامة فندقية، وجبات، وأحيانًا إعادة حجز رحلات على شركات منافسة. كما تُفرض عليها رسوم إضافية من المطارات الأوروبية نتيجة التأخيرات.
كل رحلة متأخرة تُراكم أعباء مالية “قاتلة” على المدى الطويل، خاصّة في ظلّ تراجع الأسطول إلى 10 طائرات فقط من أصل 24 سابقًا، وعجز الشركة عن إقناع الشركاء الأجانب أو السياح الدوليين بالثقة فيها، ما يُضعف بدوره موقع تونس كوجهة سياحية.
رئيس الجمهورية ينتقد
في مارس الماضي، لم يُخفِ رئيس الجمهورية قيس سعيد استياءه من تردي أوضاع الشركة، منتقدًا “الفوضى والمحسوبية” وداعيًا إلى إجراءات عاجلة لإصلاح المؤسسة. وخلال اجتماعه بوزير النقل رشيد عامري والمديرة العامة للشركة حليمة خواجة، شدّد الرئيس على ضرورة إنهاء حالة التسيّب والانهيار، قائلاً:
“لا الأوضاع داخل الطائرات مقبولة، ولا مواعيد الإقلاع محترمة، والخدمات يجب أن تكون أفضل بكثير مما هي عليه.”
لكن، رغم هذا التوجيه السياسي العلني، ما زالت الخطوط التونسية تغرق في مزيد من الإخلالات، مما يطرح أسئلة حرجة حول تأخر الإصلاحات الهيكلية، في وقت باتت فيه سمعة الشركة على المحك، وثقة المسافرين في الحضيض.

