الرئيسيةآخر الأخبارماذا وراء تجديد الإتفاق الدفاعي بين تونس و الجزائر؟

ماذا وراء تجديد الإتفاق الدفاعي بين تونس و الجزائر؟

في كل مرة تقترب فيها تونس والجزائر خطوة جديدة نحو توثيق تعاونهما، تتكاثر القراءات المغلوطة التي تبحث عن “محاور” و”ولاءات” و”صفقات”، وكأنّ العلاقة بين البلدين لا يمكن أن تكون إلا علاقة مصلحة ظرفية.


آخر هذه القراءات جاء في مقال نشرته جريدة هسبريس المغربية، تعرّض لاتفاق التعاون الدفاعي الذي وُقّع خلال الزيارة الأخيرة التي أداها وزير الدفاع الوطني خالد السهيلي إلى الجزائر، وذهب حدّ وصفه بأنه “محاولة لشراء مواقف تونس” و”إعادة تدوير لصورة النظام الجزائري”.

غير أنّ الحقيقة أبسط بكثير وأعمق في الوقت نفسه: الاتفاق الذي تم الإعلان عنه ليس جديدًا، بل هو تحيين لاتفاقية تعاون دفاعي أُبرمت سنة 2001 زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وتمت مراجعتها لتواكب التطورات التكنولوجية والتحديات الأمنية الراهنة في المنطقة، خاصة في ظل الأوضاع الهشة بالساحل والصحراء.
وبالتالي، فالحديث عن “حدث غير مسبوق” أو “تحوّل استراتيجي” لا يستند إلى أي أساس واقعي أو تاريخي.

أما تصريحات شوقي بن زهرة، الناشط السياسي الجزائري المعارض، التي حاول من خلالها تصوير الاتفاق كـ“خطوة دعائية موجّهة للاستهلاك الداخلي”، فهي تكشف أكثر عن خلفية سياسية مغاربية مأزومة منها عن فهم لطبيعة العلاقات التونسية–الجزائرية.


فالتعاون بين البلدين لم يكن يومًا رهين أنظمة أو أشخاص، بل هو ضرورة أمنية واستراتيجية فرضها الواقع الجغرافي والتاريخ المشترك، من مكافحة الإرهاب في جبل الشعانبي إلى مراقبة الحدود الجنوبية المشتركة الممتدة آلاف الكيلومترات.

ادعاء أن تونس أصبحت “تابعة اقتصاديًا” للجزائر هو بدوره قراءة سطحية تغفل حقيقة أن الدعم المتبادل بين البلدين كان دائمًا ثنائي الاتجاه، وأنّ تونس بدورها وقفت إلى جانب الجزائر في فترات حرجة من تاريخها، دون منّة أو مقابل.
كما أن تونس، رغم صعوباتها الاقتصادية، لم تفقد استقلال قرارها، ولا يمكن أن “تُشترى مواقفها” بمساعدات مالية أو بتسهيلات ظرفية.

إنّ محاولة بعض الأصوات المعارضة في الجزائر توظيف هذا الاتفاق لتصفية حسابات داخلية مع نظامها السياسي لا تعني تونس في شيء.
ما يهمّ تونس هو أمن حدودها واستقرارها ومصالحها الوطنية، لا ما يُقال في سجالات إعلامية تُستعمل فيها تونس كأداة في الصراع الجزائري–المغربي المزمن.

تونس والجزائر بلدان جاران وشعبان شقيقان يجمعهما تاريخ مشترك من المقاومة والتحرر، وتربط بين مؤسساتهما الأمنية والعسكرية شراكات مهنية منظمة لا تحمل أي طابع سياسي أو اصطفافي.
والتحيين الأخير لاتفاقية 2001 ليس سوى خطوة تقنية تندرج في إطار التعاون المعتاد، لا أكثر ولا أقل.

ومن الضروري التأكيد على أن تونس لا تعتمد على شريك واحد في مجال الدفاع والأمن. فالعلاقات التونسية مع الولايات المتحدة والحلف الأطلسي و أوروبا متطورة وعميقة، وتشمل برامج تدريب مشتركة وتعاونًا استخباراتيًا وتقنيًا، إلى جانب شراءات أسلحة أساسية مصدرها الولايات المتحدة لدعم قدرات الجيش التونسي الحديثة.

في المقابل، الجزائر تربطها علاقات وثيقة مع روسيا في مجال التسليح والتعاون العسكري، وهو ما يجعل من الصعب اعتبار أي اتفاق دفاعي جديد بين تونس والجزائر تحوّلًا استراتيجيًا قادرًا على إعادة رسم موازين القوة الإقليمية. الاتفاق الأخير، إذًا، يظل تحيينًا تقنيًا لاتفاقية 2001، ضمن سياق طبيعي من التنسيق العسكري بين جارين، وليس تغييرًا جذريًا في التحالفات أو الاستراتيجيات الكبرى.

باختصار، تونس تحافظ على سيادتها ومرونتها الاستراتيجية عبر مزيج من الشراكات المتوازنة، مما يجعل أي محاولة لتصوير اتفاق الدفاع مع الجزائر كـ”انقلاب استراتيجي” أو كخطوة لمواجهة أطراف أخرى قراءة مبسطة ومضللة للواقع.

ويبقى الأكيد أن من يحاول قراءة العلاقات التونسية–الجزائرية بعيون منحرفة لن يرى سوى ما يريد أن يراه.
أما الحقيقة على الأرض، فهي مختلفة تماما .

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!