منذ سنوات، تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية عربية وأجنبية رواية مثيرة تزعم أنّ “هيئة المسح الجيولوجي الأميركية” (USGS) أجرت دراسة كشفت عن وجود حوضين كبيرين من النفط والغاز يمتدان بين الأراضي الليبية والتونسية، وأنّ المخزون المكتشف يناهز 4 تريليونات برميل من النفط وقرابة 38.5 تريليون قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي.
كما أضافت بعض المصادر أنّ هناك نحو 1.47 تريليون برميل من مكثفات الغاز في المنطقة الحدودية بين البلدين، مما جعل البعض يصفها بأنها قد تكون “ثاني أكبر اكتشاف في التاريخ”.
لكن بالعودة إلى المصادر العلمية الأصلية، يتبيّن أنّ هذه الرواية لا تستند إلى أي دراسة منشورة رسميًا من هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
فالبحث في قاعدة بيانات الـUSGS لا يُظهر أي تقرير حديث يتعلق بتونس أو ليبيا بهذه الأرقام الفلكية. آخر الدراسات ذات الصلة تعود إلى أكثر من عقد من الزمن، وتتناول إمكانات الطاقة في حوض سرت الليبي وبعض المناطق المجاورة، دون أي حديث عن اكتشافات جديدة أو تقديرات بمستويات “التريليونات”.
هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، المعروفة بصرامتها العلمية، تنشر جميع تقاريرها على موقعها الرسمي، مع تفاصيل دقيقة حول الجيولوجيا وطرق التقدير ومعدلات الخطأ. ولم يُسجَّل أي إصدار يحمل الأرقام المذكورة أو يشير إلى “حوض يمتد بين تونس وليبيا”.
كما أن وزارة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية نفت في أكثر من مناسبة وجود أي بلاغ رسمي أو تقارير دولية تؤكد مثل هذه الاكتشافات، مؤكدة أن كل ما يتم تداوله لا يعدو أن يكون “معلومات مغلوطة أو مضخّمة”.
من الناحية التقنية، فإنّ الحديث عن 4 تريليونات برميل من النفط في منطقة شمال أفريقيا يبدو غير واقعي جيولوجيًا. فإجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط لا يتجاوز اليوم 1.6 تريليون برميل، ما يعني أنّ الأرقام المتداولة تفوق مجموع الاحتياطات العالمية الحالية بأكثر من ضعفين. وهو ما يجعل الخبر في حكم الخيال العلمي أكثر من الواقع الاقتصادي.
ويشير عدد من الجيولوجيين في المنطقة إلى أنّ تونس تمتلك بالفعل مؤشرات واعدة على وجود مكامن نفطية جديدة في الجنوب الغربي، قرب الحدود الليبية والجزائرية، لكن الكميات المكتشفة حتى الآن تبقى محدودة وتتطلب استثمارات ضخمة في الاستكشاف العميق.
كما أنّ ليبيا، رغم ثرائها البترولي، لم تسجّل أي “قفزة جيولوجية” من هذا النوع في السنوات الأخيرة، بسبب ضعف الاستقرار السياسي وتأخر عمليات المسح الميداني.
أما من أين جاءت هذه “الرواية”، فيرجّح الباحثون أن مصدرها مدونات ومواقع غير متخصصة قامت بتضخيم تقارير أولية صادرة عن شركات خاصة كانت تروّج لمشاريع تنقيب استثماري في شمال أفريقيا. هذه المواقع عمدت إلى نقل جزئي وغير دقيق لبعض بيانات الـUSGS المتعلقة بتقديرات عامة لمناطق “شرق المتوسط” و“شمال أفريقيا”، وركّبت عليها أرقاما غير حقيقية لخلق صدى إعلامي أو لجذب التمويل.
في المحصلة، لا وجود في الوقت الراهن لأيّ اكتشاف علمي أو رسمي يؤكد وجود “حوض نفطي ضخم” بين تونس وليبيا بالأرقام المتداولة.
ما يُروّج في هذا السياق يدخل ضمن الإشاعات الاقتصادية التي تُستعمل أحيانًا لأغراض سياسية أو دعائية. ومع ذلك، تبقى تونس معنية بمواصلة بحوثها الجيولوجية ومشاريعها الاستكشافية، خاصة في المناطق الحدودية الجنوبية، حيث تشير المؤشرات الزلزالية إلى وجود طبقات رسوبية واعدة يمكن أن تُستغل مستقبلًا.
الخبر الصحيح إذًا ليس “أنّ تونس تجلس على بحر من النفط”، بل أنّها تجلس على إمكانات محدودة لكنها قابلة للتطوير، إذا ما توفرت الاستثمارات والحوكمة والشفافية في إدارة الموارد الطبيعية.
هذا رابط التقرير الأمريكي كاملا

