مرة أخرى، تخرج علينا وسائل التواصل الاجتماعي بقصص أقرب إلى أفلام الخيال السياسي: صورة للرئيس قيس سعيّد جالساً أمام وفد أمريكي، مرفقة بنص يؤكد أنّه “عرض على واشنطن إقامة قاعدة عسكرية في بنزرت والتطبيع في 2026 مقابل البقاء في الحكم”، وأنّ الأمريكيين رفضوا العرض!
أولاً، الصورة حقيقية فعلاً – لكنها من لقاء رسمي موثّق بين الرئيس التونسي ووزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، على هامش قمة قادة الولايات المتحدة–إفريقيا في واشنطن يوم 14 ديسمبر 2022. اللقاء كان دبلوماسياً وبحضور عدسات الكاميرات، وليس مفاوضات في كهف سري تحت جبل الشعانبي!
ثانياً، من يحتاج إلى قاعدة في بنزرت أصلاً؟ الولايات المتحدة تمتلك ثماني قواعد عسكرية رئيسية في إيطاليا وحدها، بينها قاعدة فيتشنزا (مقر حامية الجيش الأمريكي في أوروبا) وقاعدة أفيانو الجوية وقاعدة سيغونيلا البحرية في صقلية، أي على بعد أقل من ساعة طيران من تونس. منطقياً، آخر ما تحتاجه واشنطن هو البحث عن قطعة أرض جديدة على شاطئ بنزرت لبناء قاعدة هي لديها ما يكفي وأكثر على الضفة الأخرى من المتوسط.
أما عن التطبيع المزعوم سنة 2026، فربما كاتب الخبر يمتلك آلة زمن سرية أو كرة بلورية تتيح له معرفة ما سيحدث بعد عامين. في الواقع، لا توجد أي وثيقة أو تصريح رسمي – لا من تونس ولا من واشنطن – يشير إلى مثل هذه المقايضة الخيالية.
باختصار: ما يُروّج ليس سوى جرعة جديدة من “الفبركة السياسية” التي تتغذى على صور حقيقية وتضيف إليها سيناريوهات مثيرة لشدّ الانتباه وجلب التفاعل. الخبر مفبرك، الصورة حقيقية، أما القاعدة العسكرية في بنزرت فهي موجودة فقط في عقول من اخترع القصة.
