الرئيسيةآخر الأخبارنسبة التبادل التجاري تمثل 0.034%: ماذا يريد ترامب من تونس؟

نسبة التبادل التجاري تمثل 0.034%: ماذا يريد ترامب من تونس؟

رغم أن صادرات تونس إلى الولايات المتحدة لم تتجاوز 1.15 مليار دولار سنة 2024، أي ما يعادل 0.034% فقط من إجمالي واردات الولايات المتحدة (المقدّرة بـ3.36 تريليون دولار)، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرّر – بكل الجدية التي يُجيد التظاهر بها – فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على هذه الصادرات، ابتداءً من 1 أوت المقبل.

أغرب ما في الأمر ليس فرض الرسوم في حد ذاته – فالرجل لا يُفاجئ أحدًا بعد الآن – بل مضمون الرسالة التي وجّهها إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد، والتي نشرها علنًا على منصته الرسمية، إلى جانب رسائل مماثلة لقادة من آسيا وأفريقيا. في هذه الرسالة، تحدث ترامب عن “عجز طويل ومستمر في الميزان التجاري”، و”غياب للمعاملة بالمثل”، و”حواجز تجارية غير جمركية تونسية”، وكأنه يخاطب الصين أو الاتحاد الأوروبي، لا بلدًا شمال أفريقيًا تُشكل صادراته تهديدًا لا يُذكر على الاقتصاد الأمريكي.

للمفارقة، وقبل أشهر فقط من هذه الرسالة، وتحديدًا في نوفمبر 2024، أعلنت السفارة الأمريكية في تونس، نيابة عن وزارة الفلاحة الأمريكية، عن تمويل برنامج بقيمة 76.5 مليون دينار تونسي ( 24.85 مليون دولار) لدعم قطاع التمور التونسي. أي أن أمريكا تدعم تمور تونس بيد، وتُعاقبها عليها باليد الأخرى، باسم “توازن التجارة”. فهل هي مساعدة إنسانية أم خطة انتقامية مدفوعة بالسكر؟

في نفس الوقت، تُظهر الأرقام أن الصادرات الأمريكية إلى تونس لا تتجاوز 503.6 مليون دولار، أي حوالي 0.024% فقط من إجمالي صادرات الولايات المتحدة (2.06 تريليون دولار). علاقة غير متكافئة فعلاً، لكنها بالكاد تستحق إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية في واشنطن.

فما الذي يحدث فعلاً؟
لماذا تحظى تونس، بهذه النسبة الهزيلة من التبادل التجاري، بكل هذا التركيز الأمريكي؟

رغم أن المبادلات التجارية بين تونس والولايات المتحدة لا تزن الكثير في ميزان المصالح الاقتصادية الأمريكية، فإن لتونس مكانة لا يمكن تجاوزها في الحسابات الجيوسياسية: منصة مستقرة على المتوسط، لا تبعد كثيرًا عن بؤر التوتر الليبي والساحلي، وتشكل نقطة عبور نحو عمق أفريقيا.
ديمقراطيتها الناشئة، التي تتأرجح بين الإشادة والريبة، تتيح لها أن تكون تارة شريكًا يُحتفى به، وتارة أخرى ملفًا يُفتح عند الحاجة.
وعبر تاريخ طويل من العلاقات، تعود إلى معاهدة الصداقة المبرمة سنة 1797، بقيت تونس حاضرة في الرادار الأمريكي، ولو على الهامش.


لكن في عهد ترامب، حيث تختزل العلاقات الدولية في منطق “الصفقة المربحة”، بدا أن كل شيء قابل للتقييم المادي — حتى لو اقتصر الربح على شحنات من زيت الزيتون أو صادرات من التمور الجيدة.
المفارقة؟ أن الإدارة الأمريكية ذاتها التي خصصت 76.5 مليون دينار لدعم قطاع التمور التونسي، لم تتردد لاحقًا في فرض أعباء جمركية إضافية على هذه الصادرات، كما لو أنها تمنح بيد وتقيّد بالأخرى.
منطق الصفقة يظل حاضرًا… ولكن يبدو أن الشروط تُراجع بعد توقيع العقد، لا قبله.

لكن خلف كل هذه السياسات التجارية “الخشنة”، هناك صورة لسياسة خارجية أمريكية مرتبكة، لا تدري أهي بصدد تطويق الصين في أفريقيا، أم دعم ديمقراطية ناشئة، أم معاقبة شريك صغير لم يُظهر ما يكفي من الولاء.

في النهاية، تونس لا تُمثّل شيئًا في الأرقام، لكنها تُثير شيئًا في الخيال الأمريكي…
أما ترامب، فهو كالعادة، لا يفرّق بين معركة تجارية ومباراة مصارعة.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!