في حلقة جديدة من البرنامج التحقيقي الإيطالي الشهير Report على قناة Rai3، كشف النائب التونسي السابق مجدي الكرباعي عن معطيات خطيرة تتعلق بعمليات تصدير ملابس مستعملة من إيطاليا إلى تونس، وصفها بأنها ليست سوى نفايات نسيجية مموهة يجري التخلص منها بطرق غير قانونية داخل الأراضي التونسية.
الكرباعي، الذي كان أحد أبرز المتابعين لملف النفايات الإيطالية منذ سنة 2020، قدّم خلال البرنامج وثائق وشهادات تؤكد، بحسب قوله، وجود شركات وشبكات منظمة تتولى تصدير هذه الشحنات من الموانئ الإيطالية نحو تونس، تحت غطاء “الملابس المستعملة”، بينما تصنّف في الحقيقة كنفايات وفق المعايير الأوروبية.
وقال في تدخّله:“لقد تحدثت عن الـ Ecomafia، أي المافيا البيئية في تونس، وعن علاقاتها بشبكات موجودة في إيطاليا. ورغم أنني قدّمت هذه الوثائق إلى السلطات التونسية منذ أشهر لفتح تحقيق رسمي، إلا أنه لم يصلني أي رد أو إشعار بوجود تحرّك قضائي”
القضية القديمة تعود بوجه جديد
القضية أعادت إلى الأذهان فضيحة النفايات الإيطالية سنة 2020، حين تم الكشف عن 282 حاوية وصلت إلى ميناء سوسة، كانت مملوءة بنفايات بلدية مصدرها مقاطعة كامبانيا الإيطالية، وتمّت إعادة جزء منها بعد ضغوط دولية وملاحقات قضائية في البلدين.
ويرى الكرباعي أن “السيناريو ذاته يتكرّر اليوم”، لكن بغطاء مختلف هو “تجارة الملابس المستعملة”، التي تخضع نظريًا لإطار قانوني مختلف، ما يسهل التلاعب بالفواتير والتصاريح الجمركية لتصدير النفايات دون الإعلان عنها.
التحقيق التلفزيوني أثار ضجة في الأوساط البيئية والإعلامية الإيطالية، فيما لم يصدر أي موقف رسمي تونسي حتى الآن من وزارة البيئة أو الديوانة أو النيابة العمومية.
في المقابل، نشر نشطاء بيئيون تونسيون مقاطع من الحلقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع تعليقات تطالب بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه العمليات التي “تسيء إلى صورة تونس وتعرّض بيئتها للتدمير”.
خطر بيئي وصحي
وحذّر الكرباعي خلال البرنامج من أن الملابس والنفايات النسيجية التي تصل إلى تونس غالبًا ما تكون ملوثة بمواد كيميائية أو معادن ثقيلة تجعلها غير قابلة لإعادة التدوير، ليتم لاحقًا دفنها أو حرقها في مناطق قريبة من التجمعات السكنية، ما يشكّل خطرًا مباشرًا على البيئة والصحة العامة.
من إيطاليا إلى تونس: تجارة النفايات المستترة
تؤكد تقارير منظمات بيئية مثل Greenpeace Italia وLegambiente أن هذه الظاهرة لا تقتصر على تونس، بل تشمل دولًا أخرى في شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، حيث يتم تصدير أطنان من الملابس التي تُصنّف رسميًا على أنها “قابلة لإعادة الاستخدام”، لكنها في الواقع نفايات غير قابلة للتدوير يتم التخلص منها بأساليب غير قانونية.
هذا الكشف يؤكد ما جاء في تقرير لمنظمة Greenpeace Africa بعنوان “Draped in Injustice” نشرته Greenpeace Italy يوم 10 جويلية 2025، أكد بالأرقام أن 46% من الملابس المستعملة في العالم مصدرها الاتحاد الأوروبي، وأن نسبة كبيرة منها تنتهي في مكبّات أفريقيا مسببة كوارث بيئية وصحية.
وفق تقرير Greenpeace، فإن دولاً مثل تونس، كينيا، غانا، أنغولا، بنين والكونغو الديمقراطية استقبلت مجتمعة قرابة 900 ألف طن من الملابس المستعملة عام 2022.
وفي كثير من الحالات، لا تصلح هذه الملابس للاستخدام، إذ يتحوّل أكثر من نصفها إلى نفايات تُدفن أو تُحرق في الهواء الطلق.
وتشير المنظمة إلى أن هذه الشحنات تُعلن رسميًا كـ“تجارة في الملابس المستعملة”، لكن جزءًا كبيرًا منها عبارة عن قمامة نسيجية أوروبية تُصدر تحت غطاء إنساني أو تجاري لتفادي التكاليف الباهظة لمعالجتها داخل القارة الأوروبية.
تقرير Greenpeace يرسم صورة قاتمة لتأثير هذه التجارة على البيئة الأفريقية:
- كل ثانية في العالم، يُحرق أو يُلقى في مكبّات النفايات ما يعادل شاحنة محمّلة بالملابس.
- 65% من النفايات النسيجية تتكوّن من ألياف صناعية مشتقة من البترول، ما يعني أن حرقها أو دفنها يطلق موادّ سامة.
- في بعض المناطق الأفريقية، تحوّلت الشواطئ والأنهار إلى أنهار من الأقمشة، تسدّ المجاري المائية وتسمّم التربة والمياه الجوفية.
وتؤكد تشيارا كامبيوني من Greenpeace Italia أن “الظاهرة خرجت عن السيطرة”، داعيةً إلى “تحمّل الشركات الأوروبية لمسؤولياتها الكاملة ضمن مبدأ من يلوّث يدفع”.

