كشفت منظمة ألِرت في تحليل جديد عن البنية الاحتكارية التي تتحكم في سوق السيارات بتونس، وهو قطاع يستهلك سنوياً ما بين 1.5% و2% من إجمالي العملة الصعبة، بما يعادل 50 ألف سيارة يتم توريدها كل عام. واعتبرت المنظمة أنّ هذا السوق، الذي تبلغ قيمته مليارات الدنانير وتشترك في مداخيله شركات التوريد والتمويل البنكي والتأمين، يُعدّ من أكثر القطاعات ربحاً في البلاد.
احتكار تاريخي ورخص تُمنح بالولاء السياسي
وفق التقرير، فقد كان النفاذ إلى سوق توريد السيارات لسنوات طويلة مرتبطاً بـ”هدايا الولاء” التي توزَّع على المقرّبين من السلطة السياسية. وقدّم التقرير أمثلة على ذلك، منها:
- بلحسن الطرابلسي مع وكالة فورد،
- خوصصة قطاع النقل لفائدة صخر الماطري،
- تحوّل وكالة ستافيم – بيجو إلى صهر الرئيس الأسبق بن علي، مهدي بن القايد، الذي تولّى إدارة الشركة في سنّ 23 عاماً.
وقالت المنظمة إنّ هذه الامتيازات ساهمت في نشوء ما يُعرف اليوم بـ”كرتال الكراهب“، وهو تجمع من كبار المستوردين والموزعين الذين يجمعون بين الاستيراد والتوزيع، ويحققون نسب أرباح تفوق أحياناً أرباح المصنّعين العالميين أنفسهم.
تقاطع مصالح بين التوريد والبنوك والتأمين والليزينغ
أبرز التقرير أن قطاع السيارات لا ينفصل عن القطاع المالي، إذ تخضع شركات التوريد في أغلبها لنفس المجموعات المالكة للبنوك وشركات التأمين ومؤسسات الإيجار المالي. وأورد مثالاً عن مجموعة “النقل”، الخاضعة لمجمعي بولينا وبن يدر، وهما من أهم المساهمين في:
- التجاري بنك
- بنك الأمان
- شركات التأمين كومار وBH Assurances
- شركات الليزينغ مثل ATL وTLF وAmen Leasing
وأشارت المنظمة إلى أن هذا التشابك يمثّل شكلاً من أشكال الاندماج العمودي، حيث تكون الجهات التي تموّل، وتستورد، وتبيع هي نفسها تقريباً، مما يعمّق هيمنة نفس الفاعلين على مختلف حلقات القطاع.
قروض ضخمة دون ضمانات وغياب رقابة فعلية
وفق التقرير، تُمنح القروض الخاصة بتمويل عمليات التوريد في كثير من الأحيان دون ضمانات كافية، وبفضل نفوذ المساهمين داخل مجالس إدارة البنوك. كما يتم أحياناً تجاوز سقف تركيز القروض دون تدخّل من البنك المركزي.
أسعار من الأعلى في المنطقة ومواطن بلا بدائل
تعتبر المنظمة أن النظام المغلق للاحتكار، مصحوباً بالمعاليم الديوانية والضريبية الثقيلة (اعتبار السيارة منتوجاً فاخراً)، جعل أسعار السيارات في تونس من بين الأعلى في المنطقة. ونتيجة لذلك أصبحت السيارة المستعملة تُباع اليوم بأسعار تقارب أو تفوق أسعار بيعها قبل عشر سنوات، في ظل غياب حلول جدية في النقل العمومي.
ويُظهر الرسم الذي نشرته المنظمة أن نفس الكرتال يسيطر على:
- 73% من سوق السيارات،
- 72% من سوق التأمين،
- 78% من سوق الليزينغ.
مثال رقمي على هامش الأرباح والجباية
قدّمت المنظمة مثالاً بسيارة Hyundai Grand i10 المباعة بسعر 52 ألف دينار، حيث تبلغ:
- 45% من السعر معاليم ديوانية وجبائية (23 ألف دينار تقريباً)،
- فيما لا يقلّ هامش ربح البائع عن 10% من السعر دون احتساب الأداء على القيمة المضافة (حوالي 4 آلاف دينار).
أين الحلّ؟
ترى منظمة “ألِرت” أن فتح المجال كلياً للتوريد قد يؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة، لكن الإبقاء على النظام الحالي يرسّخ الاحتكار ويضغط على القدرة الشرائية. وتقترح المنظمة:
- وضوح وشفافية أكبر في معايير منح حصص التوريد،
- اعتماد معايير بيئية وتنموية وتشغيلية،
- وإعادة الدولة لدورها كمنظّم فعلي يكسر الاحتكار ويعيد التوازن بين المصلحة العامة والربح الخاص.


