أثارت الافتتاحية التي نشرها رئيس تحرير جريدة المغرب، زياد كريشان، في عدد الاثنين 1 ديسمبر 2025، ردود فعل قوية في الأوساط الإعلامية والسياسية، بعد أن اعتبر فيها أن تونس دخلت عملياً مرحلة نهاية الانتقال الديمقراطي الذي انطلق سنة 2011، وأن البلاد تعيش “قلباً شاملاً لقواعد اللعبة السياسية” منذ إجراءات 25 جويلية 2021.
في تحليله، يرى كريشان أن إجراءات 25 جويلية 2021 أنهت المنظومة السياسية التي تأسست بعد الثورة، والمبنية على التعددية الحزبية والبرلمان والحكومة المنبثقة عن الانتخابات.
كما اعتبر أن دستور 2022 عمّق هذا التحوّل عبر تكريس نظام رئاسوي يضع معظم السلطات بيد رئيس الجمهورية، منهياً عملياً نموذج الحكم البرلماني المعدّل.
وحمل كريشان تجربة الانتقال الديمقراطي في العشرية الماضية مسؤولية الإخفاق في تحقيق أهداف الثورة الاقتصادية والاجتماعية، وتفاقم الهشاشة والعجز السياسي والصراعات الحزبية، ما خلق قبولًا شعبيًا واسعًا بالمسار الحالي.
ورغم إعلانه “نهاية الانتقال الديمقراطي”، يرى كريشان أن البلاد لم تدخل بعد نموذجاً سياسياً مستقراً، في ظل غياب أحزاب قوية ومؤسسات وسيطة واقتصاد قادر على دعم الاستقرار.
نور الدين المباركي: سردية كريشان ليست الوحيدة
المراسل الصحفي نور الدين المباركي اعتبر أن قراءة كريشان لأحكام ما يُعرف بقضية “التآمر 1” باعتبارها نهاية الانتقال الديمقراطي، تبقى رهينة سردية محددة.
وأشار المباركي إلى وجود ثلاث سرديات كبرى لفهم العقد الأخير:
- سردية تعتبر أن 2011–2021 كان انتقالاً ديمقراطياً تعثّر.
- سردية ترى أن الثورة انحرفت عن مسارها وأن العشرية كانت فاشلة في تحقيق المطالب الاجتماعية.
- سردية رئيس الجمهورية التي تعتبر أن 14 جانفي كان لحظة التفاف على الثورة وأن 17 ديسمبر هو التاريخ الشرعي لتمثيلها.
وشدد المباركي على أن تحديد زمن بداية أو نهاية الانتقال الديمقراطي ليس أمراً محسومًا بل هو موضوع جدل يعكس اختلاف المقاربات.
زياد الهاني: “لم ينته الانتقال الديمقراطي… بل نحن في أوجه”
الصحفي زياد الهاني اعتبر أن الحديث عن نهاية الانتقال الديمقراطي غير دقيق، مؤكداً أن الانتقال هو حركة مستمرة قد تتسارع أو تتباطأ، لكنه لم يتوقف في تونس، خاصة بعد التحركات الاجتماعية الأخيرة والمسيرات الاحتجاجية التي وصفها بمؤشرات على “تفاعل سياسي متجدد”.
سعيد الخزامي: “العشرية لم تكن انتقالاً ديمقراطياً أصلاً”
رئيس تحرير الأخبار بالتلفزة الوطنية سابقاً، سعيد الخزامي، قدّم موقفًا مغايرًا تماماً، إذ نفى وجود انتقال ديمقراطي حقيقي بين 2011 و2021.
وقدم الخزامي تقييماً قاسياً لتلك الفترة، قائلاً إن:
- مؤسسات الدولة لم تُبنَ،
- الأوضاع الاجتماعية لم تتحسن،
- الإصلاحات الاقتصادية غابت،
- والبلاد كانت مسرحاً لـ”اللعب السياسي والمناورات والانقسامات”.
واعتبر أن ما عاشته تونس في تلك المرحلة “عنوان للتضليل”، وأن الإنجاز الوحيد كان حرية التعبير.
أشار بعض الإعلاميين، ومنهم زياد الهاني، إلى أن المسيرة الوطنية ضد الظلم يوم 22 نوفمبر، إضافة إلى تهيّؤ الاتحاد العام التونسي للشغل لإعلان إضراب عام، يمثلان مؤشرين على دخول البلاد منعرجاً جديداً في مسار الانتقال السياسي، وليس نهايته.
تُظهر ردود الفعل الواسعة على افتتاحية زياد كريشان أن الساحة السياسية والفكرية في تونس منقسمة جذرياً حول مفهوم “الانتقال الديمقراطي” وما إذا كان قد انتهى أم لم يبدأ أصلاً.
ومع غياب توافق حول تقييم العشرية الماضية أو المرحلة الحالية، يبدو أن النقاش حول طبيعة النظام السياسي ومسار التحولات في البلاد سيبقى مفتوحاً في الأشهر المقبلة.

