الرئيسيةالأولىآخر البحر : بين ميديا اليونانية وعاتقة اليمنية إختلاف في الزمكان وتقاطع...

آخر البحر : بين ميديا اليونانية وعاتقة اليمنية إختلاف في الزمكان وتقاطع في الظلم واللانسانية

تتواصل سلسلة عروض مسرحية”آخر البحر” للمخرج الفاضل الجعايبي في قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة.

ويمكن إعتبار هذا العمل تكملة  للأعمال الثلاثة بعد 2011 وهي “تسونامي” (2013) و”العنف” (2015) و”الخوف” (2016) و”مارتير” (2020) وهو من انتاج المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع مركز الفنون بجربة. 

وهذا العمل من بطولة كل من صالحة نصراوي ومحمد شعبان وريم عياد وسهام عقيل تتواصل سلسلة عروض مسرحية”آخر البحر” للمخرج الفاضل الجعايبي في قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة.

حيث يرنو الفاضل الجعايبي كعادته إلى دراسة الواقع التونسي والعربي وإضفاء طابع ملتزم لجل أعماله 

حيث إستدعى الجعايبي في هذا المولود الجديد شخصية“ميديا” الاغريقية مع إضفاء تغييرات تتلائم وخصوصية الوقت الراهن.

فكيف “لميديا” أن تبعث من جديد رغم اختلاف الشكل والمضمون والزمكان؟

تجسد شخصية “ميديا” العصر الحديث الممثلة صالحة النصراوي “عاتقة” المرأة اليمنية التي تركت أرضها وقبيلتها باحثة عن الحب والحرية في وطن ظنت أنه الأفضل لتجد نفسها أخيرا في يمن جديد ربما أتعس من يمنها السعيد.

غادرت “عاتقة” أو ميديا الجعايبي صنعاء مع عشيقها “حمادي” الرجل التونسي الذي يعمل مع أحد أهم رؤوس الفساد وتجار الأثار في تونس وكان هدفه من زيارة اليمن هو سرقة أحد المخطوطات القديمة التي تعود إلى آلاف السنين فساعدته “عاتقة” في ذلك وقتلت أخيها دفاعا عنه .

وكما عهدنا الجعايبي, يحضر تجسيد العنف في جل أعماله  لنجد  في هذا العمل أفظع أشكال العنف الانساني  وهو“القتل العمد” فتقوم عاتقة بالانتقام من زوجها الذي خانها بتخليه عنها طلاقها غيابيا وسرقة ابنيها واستعداده للزواج من امرأة أخرى،بقتل خطيبته وأبيها وأخيرا ابنيها لتنصب المشانق إلى عاتقة وتصبح في وضعية محاكمة من الجميع.

البنية الدرامية للعمل:

تضم المسرحية حوالي 10 مشاهد تمثل مواجهات بين أبطال العمل.

حيث تبدأ المواجهة بين عاتقة طليقها ثم بين حاكم التحقيق والطليق تليه المواجهة بين القاضية والقاتلة ثم الطبيب النفسي القاتلة وبين القاضية والطبيب النفسي ثم بين المحامية وحاكم التحقيق.

وتعد مشاهد المواجهة عبارة عن ملاحم درامية بين الشخوص ، وسعى المخرج في كل مشهد إلى شد المشاهد من خلال الحفاظ على إيقاع الاحداث لتجنب السقوط في الرتابة والتكرار فكان التشويق غالبا على جل المشاهد طيلة الساعات الثلاثة للعرض.

المزج بين المشهد المسرحي والعمل السينمائي:

اعتمد المخرج لأول مرة  في تاريخ أعماله المسرحية على تقنية التوظيف السينمائي فاستخدم تقنية الفيديو الخلفي لعرض مشاهد البحر في جميع حالاته من الهيجان إلى الهدوء ليحاكي انفعالات الشخوص

أداء مبهر لجميع الممثلين دون استثناء:

يبدع الفاضل الجعايبي كعادته في إنتقاء ممثليه فقد أبدعت الممثلة صالحة النصراوي في تجسيد شخصية عاتقة بجل تناقضاتها فهي المرأة الضعيفة القوية، الخاضعة المتمردة,الضحية والجلاد. 

دلالة الاسم:

عاتقة من العتق ، عتقه أي حرره وفك أسره وبالفعل نجد البطلة تبرر جريمته بأنها قتلت ولديها لتعتقهم من الجحيم المنتظر والراهن البشع .

كما أدت ريم عياد بإتقان وتفرد شخصية حاكم التحقيق ، الشخصية المحايدة التي تدعي تجردها من المشاعر الانسانية والتعاطف 

أما عن حمادي البجاوي فقد جسد شخصية الطبيب النفسي المتحيز للفئات المستضعفة والمنتهكة في المجتمع 

أما عن محمد شعبان فقد أظهر حرفية كبيرة في تجسيد شخصية حمادي الزوج الخائن البراغماتي الذي يغلب أهوائه ومصالحه الشخصية عن كل ماهو عاطفة .

كما أقنعت سهام عقيل في تجسيد شخصية المحامية الحقوقية التي لاتزال تدافع عن المبادئ والقيم الانسانية رغم تخلي العديد عنها.

القضايا المطروحة:

وضع المخرج القضاء التونسي موضع شك واتتهام فجسدت ريم عياد دور القاضية الغير جادة في عديد الاحيان حيث تخلع كعبها العالي قبل كل جلسة وتتراشق التهم مع المحامية وتدعو الشاهد المتهم حمادي إلى تقديم رشوة في دعوة غير مباشرة من خلال رفضها للورود البلاستيكية وتعبيرها عن قبول هدايا أثمن .

ومن أبرز القضايا التي طرح الجعايبي نذكر قضية حقوق المرأة في تونس فقد جسدت صالحة النصراوي شخصية المرأة اليمنية المقهورة في بلدها الناقمة على الرجل الشرقي المتسلط الآمر الناهي حالمة بواقع أفضل في ” تونس بورقيبة” على حد تعبيرها لتجد نفسها في مجتمع ذكوري لا يختلف كثيرا عن الجحيم التي تركته لتصبح مجرمة نفسك دم أبناءها بنفسها رغبة منها في عتقهم وحمايتهم من هذا العالم الذكوري .

كذلك غلبت القضايا الانسانية على العمل فنجد المخرج يسلط الضوء على قضية الاقليات الجنسية من خلال تقديم شخصية الطبيب النفسي المثلي الذي يعاني مرارة الحياة في مجتمع يرفض إختلافه .كذلك من خلال الحديث عن خالد أخو عاتقة الشاب اليمني الذي عاش  ألم الرفض من مجتمع شرقي نبذه كونه مثلي الجنس.

كما حظرت بقوة قضية الفساد المتواصل بعد الثورة وعدم قدرة القضاء على تطهير المجتمع التونسي وقطع رؤوس الفساد .

يحظر أيضا سلك المحاماة فستجد الممثل سهام عقيل شخصية المحامية التي مازالت تؤمن بالقضايا الانسانية فتتطوع لتدافع مجانا عن عاتقة التي تراها ضحية مجتمع جردها من انسانيتها وجعلها وحشا بلا وجدان

كأي عمل فني تباينت الأراء حول هذه المسرحية،

إذ يرى  الصحفي أمير الوسلاتي أن فكرة العمل مهمة إلا أنه تنقصه الواقعية “فقد كانت جلسات التحقيق عبارة عن محادثات حميمية بين الأصدقاء واعتبر أن المخرج لم ينجح في الايهام بواقعية الأحداث خاصة في مشاهد المحاكمة ومشاهد المواجهة يين الشخصيات

إلا أنه إعتبر العمل مهم في مجمله فكرة وتنفيذا خاصة لما يطرحه من قضايا تعري الواقع الراهن.

كما إعتبر يوسف بالناصر (مشاهد ) أن الفاضل الجعايبي نجح كعادته في إسقاط القناع عن خفايا المجتمع إلا أنه إعتبر تناول قضية الأقليات (المثلية الجنسية) هو تناول مسقط إذ عبر عن استنكاره لتوظيف مثيل هذه القضايا في جل الاعمال الفنية التونسية تقريبا مسرحية كانت او سينمائية واعتبر أن في ذلك متاجرة بهذه القضايا “يدسون قضايا الأقليات في جل أعمالهم فقط للتأكيد على تقدميتهم وتحرر أفكارهم لا من أجل دعم القضية في حد ذاتها” على حد تعبيره.

ها قد عادت ميديا اليونانية في حلة جديدة لتكشف أن رغم مرور الزمن يبقى الانسان رهين الصراع الأزلي بين كيفية تكيفه مع الواقع الغير الانساني بقيم إنسانية.

بقلم مريم مرايحي

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات

error: Content is protected !!