المتحدثة باسم وزارة الخارجية تقول إن برلين تتجاهل المجازر التي ارتُكبت بحق غير اليهود في الحرب العالمية الثانية، وتنتقد “الدعم غير المحدود” لإسرائيل؛
في مؤتمر صحفي، انتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ما وصفته بـ”الدعم غير المحدود” الذي تقدمه برلين للدولة اليهودية، واتهمتها بتجاهل محنة الأقليات الأوروبية غير اليهودية، لا سيما الشعوب السلافية في الاتحاد السوفييتي آنذاك، التي ارتُكبت مجازر بحقها خلال المحرقة النازية.
وقالت زاخاروفا في المؤتمر الصحفي: “يبدو أن ألمانيا قد نسيت مرة أخرى أنه بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة A/RES/60/7 والعديد من الأدوات الدولية الأخرى، يتم تعريف الهولوكوست على أنها الاضطهاد والإبادة الجماعية لأشخاص يمثلون عرقيات وفئات اجتماعية مختلفة على يد النازيين. وهناك أيضا إعلان برلين الصادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) والذي ينص على الحاجة لتعزيز أهمية احترام كافة الحقوق العرقية والدينية دون أي تمييز”.
شدد قرار الأمم المتحدة، الذي تم تمريره في عام 2005 لتأسيس اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست في 27 جانفي على تأثير المحرقة النازية على اليهود، مع الإشارة إلى أنها “أدت إلى مقتل ثلث الشعب اليهودي، إلى جانب عدد لا يحصى من الأقليات الأخرى”.
وقالت زاخاروفا: “تواصل برلين رفضها الاعتراف بالجرائم النازية ضد شعبنا باعتبارها إبادة جماعية”، مشيرة إلى رفض برلين دفع تعويضات للضحايا غير اليهود في حصار لينينغراد الذي استمر لمدة عامين ونصف العام خلال الحرب العالمية الثانية.
وأضافت: “لقد جمعت هيئات التحقيق والمحاكم الروسية مجموعة واسعة من الأدلة التي تكشف جرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية، والإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الرايخ الثالث في مناطق مختلفة من بلادنا”.
وتابعت قائلة: “لقد تفوقت ألمانيا على دول أخرى في الاتحاد الأوروبي في دفاعها بحماس عن النظام [في كييف] الذي جعل من تمجيد شركاء النازيين عقيدة رئيسية في السياسة الداخلية والخارجية”، في إشارة إلى دعم برلين لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي للأخيرة منذ عام 2022.
واضافت زخاروفا قائلة: “كل ذلك يؤدي إلى استنتاج مفاده أنه في سياق الإجراءات الجارية في محكمة العدل الدولية، قررت برلين تسليط الضوء على قضية الهولوكوست من خلال فصلها عن جميع الجوانب الاخرى لأعمالها التاريخية الآثمة ضد الانسانية. علاوة على ذلك، فهي ترفض النظر إليها بطريقة كلية. بدلا من ذلك، تقوم برلين بتعديل منظورها بما تراه مناسبا ليناسب اعتباراتها اللحظية”.
ويأتي هذا الموقف الروسي في الوقت الذي لم تتوصل فيه ألمانيا لاتفاق شامل مع دولة ناميبيا يتيح طيّ صفحة الإبادة الجماعية بحق شعبي هيريرو وناما خلال الحقبة الاستعمارية، جاءت الانتقادات الكبيرة من ناميبيا لألمانيا، بسبب دعم هذه الأخيرة لإسرائيل، لتزيد من الضغوط على برلين، مما قد يهدد الاتفاق الهش الذي وقعته سابقا مع الحكومة الناميبية.
وربط الرئيس الناميبي هاكه كينكوب -في بيان- بين وقوف ألمانيا إلى جانب إسرائيل في الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وبين “عجز ألمانيا عن استخلاص الدروس من تاريخها الرهيب”.
وتتعاطف المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، وهو الحزب الحاكم في ناميبيا، مع فلسطين بشكل كبير، بحكم أن الحزب أسس لأجل الاستقلال عن جنوب أفريقيا.
ويعدّ الانتقاد الناميبي في غاية الحساسية بالنسبة لألمانيا، بحكم اتهامه لبرلين بـ”تجاهل أعمال الإبادة الجماعية المروعة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية”، مع تذكيرها بماضيها مع “الإبادة الجماعية” التي اعترفت برلين بوقوعها في ناميبيا، بناء على اتفاق عام 2021 مع حكومة ناميبيا. وبموجبه قرّرت ألمانيا دفع 1.1 مليار يورو كمساعدات تنموية للدولة الأفريقية.
بيد أن الاتفاق لم يقبله كثير من القياديين والشخصيات من أحفاد ضحايا الإبادة، بحجة أن المفاوضات تمت مع الحكومة، وليس مع المتضريين، كما أن التعويض موجه حصرا للدعم التنموي، ولن تستفيد منه العائلات والأسر المتضررة.
وقالت برلين من جانبها، إن ناميبيا تتوفر على حكومة ديمقراطية، وبالتالي لا يمكن إجراء تسويات مع أفراد أو مجموعات. كما دعم الاتفاق بعض الشخصيات الأخرى من قبيلة هيريرو الذين كانوا حاضرين في المفاوضات.
“الحكومتان، الألمانية والناميبية، اعتقدتا أن دعوة ممثلين عن القبائل متروك لتقديراتهما السياسية، وهذا غير صحيح، لأنه وفقا للقانون الدولي العرفي، فمشاركة المجتمعات المتضررة ضرورية، كما أن التدابير الإصلاحية غير كافية، ولذلك عليها التراجع عن الاتفاق ومباشرة عملية جديدة”، تقول كارينا تويره، خبيرة في القانون الدولي، للجزيرة نت.
ورفع زعيم “حركة الناس المعدمين” برنادوس سوارتبوي و11 ممثلا عن القبائل المتضررة دعوى قضائية ضد السلطات في بلاده أمام المحكمة العليا، لم تبت فيها بعد، كما لم تعرض الحكومة الناميبية مسودة الاتفاق أمام البرلمان للتصويت عليها، بسبب الانقسام الواقع حيالها، مما يجعل الاتفاق غير ساري المفعول.
وتتمتع ناميبيا، التي كانت تسمى بجنوب غرب أفريقيا، بأهمية خاصة، حيث استقبلت حوالي نصف المستوطنين الألمان في أفريقيا، بسبب موقعها الإستراتيجي وغناها بالموارد الطبيعية. واستولى الوافدون على الأراضي، وانتهكوا حقوق السكان خصوصا في استغلالهم في أعمال السخرة.
ولأجل إخماد تمرّد السكان، لجأت القوات الألمانية إلى قمع عنيف أدى إلى مقتل حوالي 65 ألفا من شعب هيريرو (80% من عدد القبيلة)، و10 آلاف من شعب ناما (50%)، حسب أرقام جامعة بون الألمانية، ومن تبقوا عانوا من قمع كبير.