عاد أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري لمقال كان نشره يوم 4 فيفري الماضي بصحيفة الشارع المغاربي للرد على من أسماهم بال” ماكينة “
وقال محفوظ في تدوينته ” أكتفي للرد على حملة التشكيك الصادرة عن بعض الأشخاص لأسباب مختلفة بإعادة نشر المقال الذي كتبته في مطلع شهر فيفري 2024 والمتعلق بالانتخابات الرئاسية. والله يهدي ويشفي “
وفيما يلي نعيد نشر النص الحرفي للمقال
“هل ستشهد تونس انتخابات رئاسية ؟
هذا هو السؤال الذي تكرّر أكثر من مرّة في الأشهر الأخيرة
إن كل من يريد البحث في تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية القادمة عليه العودة لا فقط إلى النصوص القانونية التي تنظم هذه المسألة بل وكذلك إلى الخطاب السياسي وخاصة منه خطاب رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد
يذكر جميعنا ما قاله السيد قيس سعيد، وكان آنذاك في هدوء تام، من داخل قصر قرطاج بمناسبة تسلّمه السلطة يوم 23 أكتوبر 2019 من السيد محمد الناصر أنه كان دائما يتمنّى أن يرى مثل هذا الانتقال السّلس بين رئيسيين مع ضمان استمرارية الدولة » مضيفا » أن اللّحظة تاريخية بكل المقاييس لأن أحدا سيغادر القصر بالانتخابات ولكن سيبقى مرحبا به وستتم استشارته في عدّة مسائل
على أن بمرور الوقت تغيّرخطاب السيد قيس سعيد في شكله وفي مضمونه وخاصة بعد أن مسك لوحده بالسلطة وأصبح،منذ 25/07/2021، ينفرد باتخاذ القرارات السّياسية المصيرية للبلاد
وقد أثارت الكلمة التي ألقاها السيد قيس سعيد في 6 أفريل 2023 بمدينة المنستير،تساؤلات مشروعة انتهت حسب بعض القراءات إلى أن الرئيس لا فقط لم يفصح عن تاريخ إجراء هذه الانتخابات الرئاسية القادمة بل استعمل عبارات وكلمات في مدلولها قد تمهّد لعدم إجراء هذه الانتخابات.فقدأجاب الرئيس قيس سعيد بكل وضوح عن مسألة ترشحه للانتخابات من عدمها، قائلا إنه « لن يسلّم البلاد لمن لا وطنية لهم ».وتابع الرئيس التونسي قائلا « أنا لا أشعر بنفسي منافسا لأيّ كان. الشعب هو الحكم، وأنا أشعر أني أتحمل المسؤولية ولن أتخلى عنها. هناك انتخابات طبعا. فكرة الترشح لا تخامرني، ما يخامرني الشعور بالمسؤولية.سيأتي اليوم، سأمد المشعل لمن سيأتي من بعدي ومن سيختاره الشعب
إن استعمال مثل هذه العبارات قد لا يبعث الطمأنينة في نفس كل شخص يتوق إلى إرساء الديمقراطية بما أنها قد تنسف فكرة التداول السلمي على السلطة بعد القيام بانتخابات دورية مثلما يقتضيه الإطار القانوني المنظم للمادّة الانتخابية في المجتمعات الديمقراطية
فغني عن البيان أن المشروعية هي إحدى المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية.وهو ما يعني في جوهره تمكين الشعب، صاحب السيادة، من اختيار ممثليه لحكم البلاد بصورة دورية
وتقتضي المبادئ التي يقوم عليها النظام الجمهوري الديمقراطي التزام الدولة بتحديد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية. فقد التزمت الدولة التونسية بتطبيق أحكام العهد الدولي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي فرض في فصله 25 مشاركة المواطن وذلك بـ » (أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية
(ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين
(ج) أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده
ولايمكن الحديث عن الانتخابات بصورة دورية دون تحديد دقيق للمدة النيابية. فلكل مدة نيابية بدايةونهاية.وهو أمر ينطبق على كل من يطمح إلى حكم البلاد سواء في إطار السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية
تضمّنت، لهذا السّبب، الدساتير في الدول الديمقراطية تحديدا دقيقا للمدة النيابية. فقد حدّد مثلا دستور الولايات المتحدة لسنة 1787 المدة النيابية لمجلس النواب بسنتين ولمجلس الشيوخ بستة سنوات مع تجديد جزئي(الثلث) كل سنتين. أما ولاية رئيس الدولة فهي محددة بأربع سنوات
تضمّن كذلك دستور 04/10/1958 الفرنسي وبعد تعديله سنة 2000 أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس سنوات
ولا يمكن، طبق الدستور الأمريكي والدستور الفرنسي، لأي كان أن ينتخب رئيسا للدولة لأكثر من مدتين نيابيتين
كان بالمقابل تاريخ موعد الانتخابات الرئاسية في النظام السياسي التونسي، بعد إعلان الجمهورية في 25/07/1957، محلّ أخذ وعطاء. إذ كان من المسائل التي تزعج رئيس الجمهورية المباشر
تضمّن الفصل 40 من دستور 01/06/1959 في نسخته الأصلية » ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمسة أعوام انتخابا حرا مباشرا سريا من طرف الناخبين (….) ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يجدد ترشحه للرئاسة أكثر من ثلاث مرات متوالية ». وبعد تعديل الدستور بموجب القانون الدستوري عدد 13 لسنة 1975 مؤرخ في 19/03/1975 تم « وبصفة استثنائية (…) إسناد رئاسة الجمهورية مدى الحياة إلى الرئيس الحبيب بورقيبة ». فارتبطت نهاية المدة الرئاسية بنهاية حياة شخص طبيعي
وبعد التأويل التعسفي لدستور 1959، من قبل الوزير الأول، المرحوم زين العابدين بن علي، يوم 07/11/1987 والذي سمح له بالارتقاء لرئاسة الدولة بعد إزاحة الرئيس الحبيب بورقيبة، تم تعديل الدستور من جديد في 25 جويلية 1988. وقدتمّ بموجب هذا التعديل تقييد الترشح لرئاسة الجمهورية لمدتين رئاسيتين فقط . ثم وبعد تنظيم الاستفتاء الدستوري لسنة 2002 تحرّر الرئيس بن علي من هذا القيد وعاد ليتحكّم من جديد في تاريخ موعد الانتخابات الرئاسية والفوز فيها بمدة جديدة غير قابلة للتحديد إلى أن انتفض الشعب ضدّه ونجحت ثورة 14 جانفي2011 في إنهاء العمل بدستور 1959 وإقرار انتخاب مجلس وطني تأسيسي تولّى وضع دستور جديد وهو دستور 27/01/2014. وقد نصّ الدستور الجديد في فصله 75 « ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس أعوام خلال الأيام الستين الأخيرة من المدة الرئاسية (…) ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متصلتين أو منفصلتين (…) ولا يجوز لأي تعديل أن ينال من عدد الدورات الرئاسية ومدده بالزيادة ».غير أن هذا الدستور، مثله مثل دستور الجمهورية الرابعة في فرنسا،لم يصمد كثيرا. إذأمام تعددّ الأزمات الدستورية وعجز الحاكمين عن إيجاد الحلول لها قام الشعب يوم 25 جويلية 2021 بجملة من التحركات عبّر من خلالها عن غضبه بشكل لافت. وقد أدّى هذا الوضع إلى اتخاذ الرئيس قيس سعيد جملة من القراراتأنهت تدريجيا العمل بدستور2014 وسمحت بالدخول في مسار دستوري جديد
ومع مصادقة الشعب التونسي يوم 25/07/2022 على مشروع الرئيس قيس سعيد بواسطة الاستفتاء والذي دخل حيز النفاد في 17 أوت 2022تضمن الفصل 90 من الدستور الجديد « ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس أعوام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية (…) ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متصلتين أو منفصلتين (…) » وتضمّن الفصل 136 من الدستور أنه يمكن المطالبة بتنقيح الدستور ما لم يمس ذلك بالنظام الجمهوري أوبعدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة
وإذا كان من اليسير ضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية في إطار استقرار دستوري فإن الأمر يختلف عن ذلك عند انتخاب رئيس على أساس دستور تمّ إنهاء العمل به وتم بالمقابل وضع دستور جديد. وقد دعت حالة الغموض هذه إلى تأويلات عدة. فقد اعتقد البعض أن تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة يعود إلى الرئيس وحده والتي تبقى من مشمولاته. في حين يرى البعض الآخر أن هذا الأمر يعود إلى هيئة الانتخابات
فكيف يتمّ، في تونس، وعلى ضوء النظام الدستوري الحالي ضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة ؟
يرتبط تقديم إجابة عن هذه الإشكالية بمعرفة من الذي يقرّر تاريخ موعد الانتخابات الرئاسية القادمة ؟ (I) وما هي مخاطر عدم إجرائها في موعدها؟
– من الذي يقرّر، ضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة ؟
تتوفر الإجابة بسهولة عند توفر جملة من الشروط. منها أن تكون القواعد القانونية مستوفية لأغلب شروط قواعد الصياغة: الوضوح، الدّقة، البساطة، الديمومة.ومنها ما يرتبط بالالتزام بمقتضيات الشرعية والتي تفترض ضرورة خضوع القاعدة القانونية الدنيا والسارية المفعول للقاعدة القانونية التي تعلوها درجة. ومنها ما يعود إلى تحمل المؤسسات المتداخلة في هذا المجال مسؤوليتها. ولكن يزداد الأمر غموضا في حالة التردد وخاصة التهرب من تحمل المسؤولية.
فمن يتحمل المسؤولية ؟ هل هي السّلطة التأسيسية (1) ؟ أم المشرّع (2) ؟ أم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات(3)؟ أم رئيس الجمهورية (4) ؟
1- أي دور للسلطة التأسيسية ؟
تعود مسؤولية ضبط تاريخ أول انتخابات رئاسية، بعد دخول الدستور الجديد حيز النفاذ، إلى السلطة التأسيسية. ويكون ذلك ضمن الأحكام الانتقالية للدستور الجديد. فعلى سبيل المثل تضمّنت الأحكام الانتقالية لدستور 04/10/1958 بعد مصادقة الشعب الفرنسي على مشروع دستور أعدته السلطة التنفيذية بعد الاستعانة بلجنة رأسها آنذاك ميشال ديبري : يتم إرساء المؤسسات التي تضمنها هذا الدستور في أجل أقصاه أربعة أشهر من ختمه. تنتهي صلاحيات الرئيس المباشر بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية
كما تضمن الفصل 64 من النص الأصلي لدستور غرة جوان 1959 في أحكامه الانتقالية » يدخل هذا الدستور في حيز التطبيق ابتداء من تاريخ إصداره طبق الفصل الثالث والستين وريثما يتم انتخاب رئيس الجمهورية ومجلس الأمة خلال شهر نوفمبر 1959 فإن النظام الحالي الناتج عن قرار المجلس القومي
التأسيسي الصادر في 25 جويلية 1957 يستمرّ كما هو ويعقد مجلس الأمة الأوّل أول اجتماع له بعد الزوال من ثاني خميس ليوم الانتخاب بمقره الحالي
وتضمّنت أحكام الفصل 148 الانتقالية من دستور 27/01/2014 » ويتواصل العمل بأحكام الفصول 7 و9 إلى 14 والفصل 26 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية وفق أحكام الفصل 74 وما بعده من الدستور.(…).
تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مدة بدايتها أربعة أشهر من استكمال إرساء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دون أن تتجاوز في كل الحالات موفى سنة 2014
وضعت بذلك مختلف هذه الدساتير رزنامة يتم على أساسها خاصة اعتماد الدورات الانتخابية في انطلاقها وفي نهايتها. وهو ما يسمح بتيسير أعمال الرقابة عليها
وبالعودة إلى دستور 2022 تبيّن غياب أحكام انتقالية تضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة. وهو أمر غريب يبرّر التساؤل بجدّية عن تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة. فقد كان على المؤسس، واضع النص الدستوري، أن يضبط تاريخا لهذه الانتخابات. علما وأن هذا الأمر لم يغب على من تولى صياغةنص مشروع الدستور المقترح من الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة . إذ تضمّن الفصل 143 منه » تجرى انتخابات رئاسية يوم ثالث أحد من شهر أفريل 2023″ .غير أن الرئيس المباشر، على ضوء دستور 2014،تجاهل هذا الفصل و هو ما يفسّر غياب مضمون هذاالفصل عن مشروع الدستور الذي عرضه السيد قيس سعيد على تصويت الشعب التونسي يوم 25/7/2022
فإذا تخلّى واضع الدستور الجديد عن تحمّل مسؤوليته في ضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة، فمن من السلط المؤسّسة التي يمكن لهاالتدخل في هذه الحالة ؟
2- أي دور للمشرّع ؟
لا يجب أن ننسى أن تحديد موعد الانتخابات له علاقة بمادّة الانتخابات وهو مجال محمي للقانون في تونس. ولا يمكن للسّلطة التنفيذية بما في ذلك رئيس الجمهورية التدخل في هذا المجال ولو بتقنية المراسيم. فقد تضمّن الفصل الخامس والسّبعون – « تتّخذ شكل قوانين أساسيّة النّصوص المتعلّقة بالمسائل التّالية
• الأساليب العامّة لتطبيق الدّستور
• القانون الانتخابيّ.
• التّمديد في مدّة مجلس نوّاب الشّعب وفق أحكام الفصل الثّالث والستّين من هذا الدّستور.
• التّمديد في المدّة الرّئاسيّة وفق أحكام الفقرة الخامسة من الفصل التّسعين من هذا الدّستور.
• الحرّيات وحقوق الإنسان. »
وتضمن الفصل السّادس والسّبعون – »ترجع إلى السّلطة التّرتيبيّة العامّة الموادّ التي لا تدخل في مجال القانون. ويمكن تنقيح النّصوص السّابقة المتعلّقة بهذه الموادّ بأمر يعرض وجوبا على المحكمة الإداريّة ويصدر بناء على رأيها المطابق
وتضمّن الفصل الثّمانون –: في حالة حلّ مجلس نوّاب الشّعب، لرئيس الجمهوريّة إصدار مراسيم تعرض على مصادقة المجلس في دورته العاديّة الأولى
يستثنى القانون الانتخابيّ من مجال المراسيم
وتدخل بذلك الانتخابات طبق أحكام الدستور الجديد في المجال المحمي للقانون الذي يختص به مجلس نواب الشعب. وهو أمر سبق العمل به خاصة في ظل دستور 2014. إذ وجب التذكير أنه على هذاالأساس وبعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي، أصدر رئيس الجمهورية القانون عدد 36 لسنة 2014 مؤرخ في 8 جويلية 2014 يتعلق بتحديد مواعيد أول انتخابات تشريعية ورئاسية
وقد تضمنن الفصل الأول منه » يضبط هذا القانون مواعيد أول انتخابات تشريعية ورئاسية بعد المصادقة على الدستور طبقا للفصل 148 فقرة 3 منه
في حين تضمن الفصل 3 منه » يتم الاقتراع للدورة الأولى للانتخابات الرئاسية داخل الجمهورية يوم الأحد 23 نوفمبر 2014، وبالنسبة إلى التونسيين بالخارج أيام الجمعة والسبت والأحد 21 و22 و23 نوفمبر 2014
وأسند بذلك الإطار القانوني لمادة الانتخابات في تونس إلى مجلس نواب الشعب، طبق النظام الدستوري الجديد، صلاحية تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية.إذا تخلّت السلطة التأسيسية عن دورها في تحديد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية بعد دخول دستور جديد حيز النفاذ فإن على السلطة التشريعية أن تضطلع بوظيفتها الطبيعية والمتمثلة في تحديد الأساليب العامة لتطبيق الدستور والتدخل في المادّة الانتخابية كمجال محمي لها. ثم يأتي دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
3- أي دورللهيئة العليا المستقلة للانتخابات ؟
تضمن الفصل 134 من الدستور الجديد : تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إدارة الانتخابات والاستفتاءات وتنظيمها والإشراف عليها في جميع مراحلها، وتضمن سلامة المسار الانتخابي ونزاهته وشفافيته وتصرح بالنتائج
وتسهر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، طبق الفصل 2 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 مؤرخ في 30 ديسمبر 2012 يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، « على ضمان انتخابات واستفتاءات ديمقراطية وحرّة، وتعددية ونزيهة وشفافة
كما تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، طبق الفصل 3 من هذا القانون، « القيام بجميع العمليات المرتبطة بتنظيم الانتخابات والاستفتاءات وإدارتها والإشراف عليها طبقا لهذا القانون وللتشريع الانتخابي وتقوم في هذا الإطار خاصة بما يلي
5- وضع روزنامة الانتخابات والاستفتاءات وإشهارها وتنفيذها بما يتفق مع المدد المقررة بالدستور والقانون الانتخابي
7- وضع آليات التنظيم والإدارة والرقابة الضامنة لنزاهة الانتخابات والاستفتاءات وشفافيتها
وبالعودة إلى القانون المقارن تجد في الموقع الرّسمي للإدارة الفرنسية ، رزنامة كاملة وواضحة لتواريخ الانتخابات القادمة . وهو أمر مفقود بالنسبة لهيئة الانتخابات الحالية في تونس. مع العلم أنه سبق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في إطار نظام دستوري وسياسي سابق لـ25 جويلية 2021، أن أصدرت، وقبل وفاة رئيس الجمهورية المرحوم محمد الباجي قائد السبسي يوم 25/07/2019، قرارها بتاريخ 14 مارس 2019 المتعلق برزنامة الانتخابات الرئاسية بسنة 2019. وقد تضمّن القرار المذكور آنذاك ضبط تواريخ انطلاق الفترة الانتخابية ، وفتح باب الترشحات وغلقها
وانطلاق الحملة الانتخابية ونهايتها ، وفترة الصمت الانتخابي داخل تراب الجمهورية وخارجها ، واجراء الدورة الأولى وتنظيم الدورة الثانية
إن المبرّر القانوني الوحيد الذي يمكن القبول به لتبرير عدم نشر هيئة الانتخابات لرزنامة الانتخابات الرئاسية القادمة هو غياب السند القانوني والمتمثل في قانون يضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة. ذلك وعلى عكس ما تداوله أعضاء الهيئة لدى وسائل الإعلام لا يمكن للهيئة أن تستند عند نشرها لقرار الرزنامة إلى الفصل 90 من الدستور الحالي لضبط الرزنامة. ذلك أن الفصل 90، وكما سيبتم تفسيره لاحقا، لا ينطبق إلا على رئيس الجمهورية الذي انتخب لعهدة أولى طبق أحكام وشروط الدستور الجديد وهو أمر لا يتوفر في السيد قيس سعيد المنتخبطبق دستور لم يعد ساري المفعول
ولكن يمكن أن نفهم الارتباك الحاصل داخلهيئة الانتخابات الحالية. إذ أن ردود فعل أعضائها كانت في معظمها سياسية ولم تكن بأي حال قانونية. وهو هو أمر وجب وضعه في إطاره السّياسي. إذ أن هذه الهيئة لا تستجيب في تكوينها وفي ممارسة صلاحياتها لأهم الضمانات الواردة في أحكام دستور 2022. إذ تتركب الهيئة طبق الدستور الجديد من « تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لمدة ستة سنوات قابلة للتجديد، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين »
في حين تخضع الهيئة الحالية في تركيتها وفي ممارسة عدد من الصلاحيات إلى المرسوم عدد 22 لسنة 2022 مؤرخ في 21 افريل 2022. وهو ما يطرح إشكال دستوري أوّلي. إذا كيف يتم العمل بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية في مادّة الانتخابات وهي مادّة استثناها صراحة، شأنه في ذلك شأن دستور 2014 ،الفصل 80 الدستور الجديد من مادة المراسيم. من الواضح أن السيد قيس سعيد قد استند عند إصداره للمراسيم المذكورة إلى الحكم الانتقالي الوارد في دستور 2022 والذي تضمّن في فصله 139 » يستمر العمل في المجال التشريعي بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 بسنة 2021. » غير أن القطع مع النظام الاستثنائي، المؤسس على الأمر 117 وتأسيس نظام سياسي مستقر ،يفرض التطبيق المباشر لأحكام الفصل 80 من الدستور الجديد.تبقى الانتخابات في إطار نظام دستوري مستقر من اختصاص المشرّع الذي يمارس الوظيفة التشريعية دون سواه ولا حقّ للمراسيم طبق أحكام الدستور الجديد التدخل في مجال الانتخابات.فما بالك إذا تعلّق الأمر بهيئة تسهر على تنظيم انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة ؟
غني عن البيان أن الهيئة الحالية للانتخابات، تتركب، طبق المرسوم عدد 22 لسنة 2022 مؤرخ في 21 أفريل 2022، « من سبعة أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي » كما « يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة » . ويحق لرئيس الجمهورية، وبعد رفع مقترح من رئيس الهيئة أو من خمسة أعضاء على الأقل اتخاذ قرار إعفاء رئيس الهيئة أو أحد أعضائها . ويكون بذلك قرار الإعفاء الذي يمكن للسيد قيس سعيد استعماله ليصبح بمثابة السّيف المسلطعلى رئيس وأعضاء الهيئة الحالية.فتكون بذلك الهيئة الحالية فاقدة لأهم الضمانات الدستورية والتي تتجسد خاصة، طبق الدستور الجديد، في استقلالأعضاء الهيئة وحيادهم. وهو ما يفسّر ارتباكأعضاء الهيئة الحالية.إذ لا تجد عندما يطرح سؤال على رئيسها أو أحد أعضائها وتعلّق بضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة وهل أن الهيئة سوف تعتبر عهدة الرئيس الحالية عهدة أولى أم لا، إجابة تستند إلى بناء قانوني سليم
4- أي دور لرئيس الجمهورية ؟
لم ينطق رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد ولو مرّة واحدة بتاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة. إذ اكتفى في كل مرّة بالتصريح أن الانتخابات ستجرى في موعدها دون أن يذكر بدقة تاريخ هذا الموعد. وهو ما يدعو إلى القول أن هذا الأمر لا فقط يطرح إشكالا قانونيا وإنما كذلك لا يشكل بالنسبة للسيد قيس سعيد موضوعا ذي أولوية
وبالعودة إلى النظام الدستوري الحالي يتبين لنا أنه يمكن لرئيس الجمهورية ان يتدخل في مجال الانتخابات وذلك عبر الآليات التالية
إذ يمكن له أن يتقدم، طبق الفصل 68 من دستور 2022، بمبادرة تشريعية لمجلس نواب الشعب تتضمن تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة على ضوء دستور 17/08/2022.ولكن يرتبط مصير هذا التاريخ بمصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب
لكن الدور الآخر الذي يمكن لرئيس الجمهورية أن يلعبه جاء به القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 مؤرخ في 26 ماي 2014 يتعلق بالانتخابات والاستفتاء.إذ بعد أن يضبط المشرع تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة وبعد ضبط الرزنامة من قبل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات يتدخل رئيس الجمهورية في مرحلة ثالثة، طبق الفصل الفصل 101 من القانون الأساسي للإنتخابات والاستفتاء لدعوة » الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء
ونخلص، لتقديم إجابة واضحة ودقيقة عن الإشكالية التي طرحناها في هذا المقال، أنّ المشرّع هو، طبق النظام الدستوري الجديد، المسؤول الأوّل والأخير عن ضبط تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة.ثمّ تتدخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مستندة في ذلك إلى هذا القانون للقيام بدورها في هذا المجال وخاصة بنشر قرار رزنامة الانتخابات الرئاسية
ولكن يبدو من الناحية الواقعية أن السيد قيس سعيد يفكر في كل المسائل التي تهم الشأن العام وهو يحمل في ذهنه دستور 1959 والذي يتّسم بهيمنة رئيس الجمهورية على الحياة السياسية في الدولة
ولكن وجب التنبيه أنالوضع غير الوضع. وعلى المسؤولين في الدولة التونسية أن يعوا بمخاطر عدم تنظيم الانتخابات الرئاسية، بعد دخول الدستور الجديد حيز النفاذ في 17 أوت 2022
II- مخاطر عدم إجراءالانتخابات الرئاسية القادمة في موعدها ؟
تحدث الأزمة، طبق قرامشي، عندما يموت القديم ولا يمكن ولادة الجديد
« La crise consiste […] dans le fait que l’ancien meurt et que le nouveau ne peut pas naître. » Gramsci
انعكس عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها طبق النظام الدستوري التونسي السائد على الوضعية الحالية للرئيس المباشر المنتخب على ضوء دستور قديم.وقد أثار هذا الوضع الغريب العديد من المشاكل الدستورية التي أفرزت مأزقا دستوريا. إذيشكل بقاء هذا الوضع على ما هو عليه تهديداللتداول السلمي على السلطة من جهة (1) ولسلامة الأمن القانوني، من جهة أخرى(2)
1- تهديد التداول السّلمي على السلطة
انتخب السيد قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية على أساس المنظومة الدستورية الخاضعة لأحكام دستور 27/01/2014. وقد أعلنت هيئة الانتخابات فوز الرئيس قيس سعيد بموجب قرارها الصادر في2019 .وهو ما يعني أن عدّ مدّة الخمس سنوات ينطلق في 2019 وينتهي في شهر أكتوبر 2024. بما يفرض إجراء انتخابات جديدة قبل شهر أكتوبر 2024. ومايحسب للرّئيس السابق السيد محمد الناصر هو حرصه على احترام الآجال الدستورية عندما قال صراحة أنه لن يتجاوز أجل التسعين يوما كحد أقصى لممارسة،طبق الفصل 84 من دستور 2014، صلاحيات القائم بمهام رئيس الجمهورية
غير أن الأمور لم تسر على هذا النحو. إذ بعد إعلان رئيس الجمهورية حالة الاستثناء في 25/07/2021 وبعد إصدار الأمر 117 بتاريخ 22 سبتمبر 2021 الذي يتعلق بتدابير استثنائية، والذي استند إلى الفصل 80 من الدستور، تولى رئيس الجمهورية إعداد مشروع دستور جديد عرضه على الشعب الذي وافق عليه يوم 25/07/2022 وتم ختمه في 17/08/2022 ودخل هذا الدستور الجديد حيز النفاذ. ونتج عن هذا الوضع الدستوري الجديد وجود نظام دستوري جديد يحكم رئاسة الجمهورية بما في ذلك المدة الرئاسية
:إذ يثير من ناحية أولى بقاء الرئيس الحالي إلى حدود أكتوبر 2024 إشكالية تتعلق بعدد الدورات الرئاسية ومددها. فقد تضمّن الفصل 90 من الدستور الجديد ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس أعوام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية (…) ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متصلتين أو منفصلتين (…) » وتضمّن الفصل 136 من الدستور أنه يمكن المطالبة بتنقيح الدستور ما لم يمس ذلك بالنظام الجمهوري أو بعدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة
مع العلم أن دستور 2014،المنتهية صلوحيته،ألزم الرئيس المباشر والذي تمّ على أساسه انتخابه عدم إمكانية الترشح لأكثر من دورتين
غير أنه وفي صورة تجاهل هذا المعطى الذي انبنى عليه نص الدستور وروحه فإن باب التأويل الشيطاني للدستور يبقى مفتوحا. فيسمح هذا التأويل للرئيس الحالي بالجمع بين المدة الرئاسية الأولى المستندة إلى دستور 2014 والتي لم يبق منها إلا بضعة أشهروالمدتين الواردتين في دستور 2022. ويحق طبق هذا التأويل للرئيس الحالي أن يرأس تونس مدة خمسة عشر سنة
غير أننا نرى أن هذا التأويل يشكل نسفا لإرادة الشعب صاحب السيادة الذي كانت ردّة فعله واضحة وجلية سواء في دستور 2014 أو في دستور 2022. وهي ردّة فعل على حقبة تاريخية ظنّ الجميع وأنها أصبحت من الماضي ولا يمكن العودة إليها. ونكون بذلك انتقلنا من الحيلة الدستورية التي كانت قبل 2011 سائدة ألا وهي حيلة تنقيح الفصل المتعلق بتحديد المدة الرئاسية في ظل دستور 1959 إلى حيلة دستورية جديدة تسمح للرئيس المباشر بالبقاء على رأس الدولة التونسية إلى ما لا نهاية من خلال العمل على وضع، أثناء المدة الرئاسية، دستور جديد بما يسمح للرئيس المباشر بالبقاء على رأس الدولة إلى ما لا نهاية مثلما كانت النتيجة في ظل دستور 1959 بعد تنقيحه
وقد ذهب البعض من أنصار السيد قيس سعيد أنه لا وجود لانتخابات رئاسية سنة 2024 لأن، في تقديرهم، عد تاريخ المدة النيابية للرئيس ينطلق من تاريخ دخول دستور 2022 حيز النفاذ. وهو أمر يدعو إلى الاستغراب ذلك أن عد الدورة الرئاسية لا ينطلق طبق الدستور الجديد إلا بعد انتخاب رئيس الجمهورية التونسية طبق أحكام وشروط الدستور الجديد أي دستور 2022
كما ذهب البعض الآخر إلى امكانية التمديد،طبق أحكام الدستور الجديد، في المدة الرئاسية للسيد قيس سعيد بموجب قانون. وهو كذلك خيار مستبعد من الناحية الدستورية لسببين رئيسيين
يكمن السبب الأول، وهو سبب مبدئي، في عدم انطباق الأحكام المتعلقة برئيس الجمهورية والواردة في دستور 2022 على رئيس منتخب طبق دستور لم يعد ساري المفعول وذلك بعد إلغاء العمل به
أما السبب الثاني فقد جاء به الفصل90 من الدستور الجديد لأنه لا يمكن التمديد في المدة الرئاسية بقانون إلا إذا ثبت » تعذر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدد بسبب حرب أو خطر داهم ». وإذا سبق للرئيس قيس سعيد أن تحرر بشكل كامل عند تأويله لمقتضيات الفصل 80 من دستور 2014 إلا أن الأمر لا يرتبط هنا بإرادته المنفردة. ذلك أن مجلس نواب الشعب هو في هذا المجال صاحب الاختصاص.ويصبح الأمر مرتبطا بإرادته. علما وأن قانون التمديد يتخذ طبق الفصل 75 من دستور 2022 شكل القانون الأساسي. وهو ما يفرض مصادقة مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة لأعضائه.وإذا كان مجلس نواب الشعب يتمتع بعد انتخابه طبق قواعد وشروط الدستور الجديد بالشرعية، فإن الأمر يدعو بالنسبة لكامل السلطة التنفيذية، بعد دخول دستور 2022 حيز النفاذ،إلى الحير
2- تهديد سلامة الأمن القانوني
إن انتخاب رئيس ما على أساس دستور سائد ثم وضع دستور جديد يفرض إيجاد أحكام انتقالية في الدستور الجديد تسمح لذلك الرئيس بمواصلة الحكم مؤقتا إلى حين انتخاب رئيس جديد على ضوء الدستور الجديد
ويترتب، في غياب هذه الأحكام الدستورية، من ناحية ثانية،وفي صورة عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها إشكالا يتعلق بشرعية كل القرارات التي أصدرها الرئيس المباشر المنتخب طبق أحكام دستور 2014 خلال الفترة الممتدة بين دخول الدستور الجديد حيز النفاذ وانتخاب أول رئيس للجمهورية على ضوء دستور 2022. كما يطرح نغس الإشكال بالنسبة إلى حكومةلازالت تستند في تكوينها إلى أحكام الأمر 117 مؤرخ في 22/09/2021 يتعلق بتدابير استثنائية
إنّ رئيس الجمهورية « الضامن لاستقلال الوطن وسلامة ترابه ولاحترام الدستور والقانون ولتنفيذ المعاهدات والذي يسهر على السير العادي للسلط العمومية ويضمن استمرارية الدولة ويترأس مجلس الأمن القومي » طبق الفصل 91 من الدستور الجديد هو الرئيس المنتخب طبق أحكام الفصلين 89 و90 لمدة خمس سنوات والذي لا يجوز له الترشح لأكثر من دورتين كاملتين أو منفصلتين الذي أدّى اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين طبق أحكام الفصل 92 من الدستور الجديد
ولهذا السبب يمكن رفع هذا الخلل الدستوري بتدخل مجلس نواب الشعب المسؤول الأول والأخير، طبق النظام الدستوري الحالي، على تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة. ويقتصر دور رئيس الجمهورية على تقديم مشروع قانون في هذا الإتجاه. وإذا ما اعتبرت السلطة التنفيذية أن هذه المسألة لا تشكل أولوية نظر بالنسبة إليها فإنها تضع البلاد أمام مأزق دستوري حقيقي بسبب الإشكال المتعلق بشرعية السلطة التنفيذية الحالية
كمالا يجب أن ننسى أن الأمر يطال كذلك الحكومة الحالية. ذلك أن جذور تسمية عدد هام من أعضاء هذه الحكومة يعود إلى الأمر الرئاسي عدد 138 لسنة 2021 المؤرخ في 11 أكتوبر 2021 المتعلق بتسمية أعضاء الحكومة المستند بدوره إلى أحكام الأمر 117 لسنة 2021 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021 يتعلق بتدابير استثنائية. بل تبين مؤخرا وبعد الإطلاع على عدد من أوامر تعيين عدد من أعضاء الحكومة الحالية الاستناد مجددا إلى الأمر الرئاسي عدد 138 لسنة 2021
ويعود هذا الإشكال القانوني إلى غياب أي رابط في دستور 2022 يسمح للسيد قيس سعيد بتسمية ٍرئيس الحكومة وأعضائها. ولئن تبين من خلال الأمر عدد 550 لسنة 2023 مؤرخ في 1 أوت 2023 أن السيد قيس سعيد استند، عند تسمية السيد أحمد الحشاني رئيسا للحكومة،إلى الدستور دون سواه إلا أنه لا وجود في الدستور الجديد لأي بند أو فصل أو حكم يسمح للسيد قيس سعيد، المنتخب طبق دستور 2014، بممارسة وظائف رئيس الجمهورية التونسية طبق أحكام الدستور الجديد. لهذا السّبب على السلط الحاكمة اليوم اعتبار مسألة تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة مسألة ذات أولوية مطلقة حتى تصبح السلطة التنفيذية متمتعة مثلها مثل السلطة التشريعية بالشرعية. لا يمكن لمن انتخب على أساس أحكام دستورية تم إلغاء العمل بها أن يباشر وظائف تخضع إلى شروط وإجراءات ومضامين جديدة طبق أحكام دستورية جديدة. غني عن البيان وأنه وبالرغم من مرور أكثر من سنة ونصف على دخول الدستور الجديد حيز النفاذ فإن مجلس نواب الشعب هو السلطة الوحيدة التي تجد شرعيتها في دستور 2022.علما وأن مشروعية دستور 2022 وكذلك مشروعية مجلس نواب الشعب الحالي تبقى، بالمقارنة مع القانون الدستوري المقارن، ضعيفة جدا. إذ قاطعت الأغلبية السّاحقة من الشعب التونسي هذه الخيارات الجديدة
لئن كان طموح النخبة، التي تمّ شيطنتها في السنوات الأخيرة، هو الدفع بالبلاد التونسية منذ ثورة 14 جانفي 2011 إلى إرساء نظام ديمقراطي يقوم على الحرية والمساواة ومشروعية الحاكمين، إلا أن الأمر لم ينتهي، سواء في الفترة التي سبقت 25 جويلية 2021 أو بعدها،إلى تحقيق هذا الهدف المنشود. غير أن عدم الالتزام بالأحكام القانونية وخاصة الدستورية منها، ومهما كانت درجة مشروعيتها، يجعل من الحاكم، بتحرّره الكامل من القانون وعدم التقيد به مع عدم الاعتراف بالخضوع لأي سلطة تعلوه،حاكما مستبدا. ولايكترث الحاكم المستبد بحقوق الإنسان وبحريات الأفراد. وتتعقد الوضعية بالنسبة للأفراد عند ضرب استقلالية القضاء والحرص على تغييب مجلس أعلى للقضاء والامتناع، عند مواجهة القوانين والمراسيم الجائرة، عن ضمان علوية الدستور
ولكن يتجه التذكير في هذا المجال بتوطئة دستور 17/08/2022 التي جاء فيها « أن الشعب التونسي الذي صبر وصابر لمدة أكثر من عقد من الزمن إثر هذه الثورة المباركة، فلم ينقطع عن رفع مطالبه المشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ولكنه لم يلق في المقابل سوى شعارات زائفة، ووعود كاذبة » وإن هذا الشعب، طبق نص التوطئة، أسّس »نظاما دستوريا جديدا لا يقوم على دولة القانون فحسب بل على مجتمع القانون حتى تكون القواعد القانونية تعبيرا صادقا أمينا عن إرادة الشعب، فيستبطنها ويحرص على إنفاذها ويتصدّى لكل من يتجاوزها أو يحاول الاعتداء عليها »
فهل يعد عدم ضبط تاريخ للانتخابات الرئاسية القادمة أو عدم إجرائها اعتداء على القواعد القانونية وتجاوزا لها؟ وهل يعتبراستعمال عبارة »التصدي » الواردةفي نص الدستور، ولأوّل مرّة في التاريخ الدستوري التونسيوكما هو الشأن في بعض الأنظمة الدستورية المقارنة كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا ، دسترة لحق الشعب التونسي في مقاومة الاستبداد ؟