تؤكد البيانات المتاحة لدور قطاع الطيران الدولي وجميعها للفترة السابقة لتفشي وباء كورونا، تظهر قطاعا حيويا وإيجابيا للغاية فيما يتعلق بمساهمته في الاقتصاد العالمي، فعلى المستوى الدولي دعم القطاع أكثر من 64.5 مليون وظيفة على مستوى العالم، وكان مسؤولا عن 2.7 تريليون دولار من النشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، وكان الأفق قبل جائحة كورونا منتعشا وإيجابيا، إذ كانت التوقعات أن تصل المساهمة الاقتصادية للقطاع إلى 5.7 تريليون دولار بحلول عام 2036 بينما سيعمل في القطاع نحو 97.8 مليون عامل.
لكن تلك التوقعات الإيجابية بشأن مستقبل قطاع الطيران باتت الآن محل تساؤل، إذ يبدو أن الضغوط التي تتعرض لها شركات طيران دولية وصلت إلى الحد الذي دفعها إلى التقدم بطلب لإعلان الإفلاس، ما وضع شكوكا حول قدرة الشركات الصغيرة على الصمود.
وأخيرا أصبحت شركة الخطوط الجوية الإسكندنافية “ساس” أحدث شركة طيران تتقدم بطلب في الولايات المتحدة لإعلان الإفلاس، وأشارت الشركة في طلبها بشأن الإفلاس إلى وجود مخاوف مادية لديها بشأن تأثير إضراب الطيارين الذي أعلن عنه أخيرا، وأنه سيكون له تأثير سلبي في السيولة ومركزها المالي.
ورغم أن الشركة دعت الطيارين للعودة إلى طاولة المفاوضات حتى يتمكن الطرفان من مواصلة الحديث والتوصل إلى اتفاق، فإن الطيار السابق أريك ستوت وأحد أعضاء الفريق الإداري في اتحاد الطيارين البريطانيين، يرى أن تقدم شركة ساس بطلب لإعلان الإفلاس ما هو ألا مقدمة ترجح أن تعلن شركات أخرى إفلاسها، خاصة شركات الطيران منخفضة التكلفة.
وأوضح ستوت لـموقع “الاقتصادية”، أن “حالات الإفلاس ليست غريبة على صناعة الطيران، وشركات طيران كبرى مثل أمريكان أيرلاينز ويونايتد ودلتا تقدمت في وقت من الأوقات بطلب إفلاس، لكن تم التغلب على ذلك عبر الاندماج مع شركات طيران أخرى، ففي الصناعات غير المربحة يتم السعي لإيجاد طريقة أفضل لممارسة الأنشطة التجارية، لكن هذا المبدأ لا يعمل بالضرورة في عالم الطيران”.
وأشار إلى أن عديدا من شركات الطيران غير المربحة تستمر في العمل رغم أعوام من الخسائر، لأن عديدا من أصحاب المصالح لا يستطيعون السماح لها بالإغلاق، فإغلاق شركة طيران كبيرة لأنها غير مربحة، يعني خسارة آلاف الوظائف، وإزعاج آلاف المسافرين وخسائر بالملايين للدائنين، وأحيانا فقدان الكبرياء الوطني إذا كانت الشركة شركة نقل وطني، ولذلك غالبا ما توفر الحكومات شريان حياة مالي لها لضمان البقاء في السوق، ويكون على الشركة إعادة التسعير وخفض الأيدي العاملة، ما يضر أحيانا بالشركات الأخرى التي لا تخفض أسعارها”.
وفي الواقع، فإن الطائرات تعد من المعدات باهظة الثمن للغاية، ويتعين على شركات الطيران الاستمرار في عقد إيجار مرتفع أو سداد أقساط قروض بغض النظر عن ظروف العمل، إضافة إلى حاجتها إلى قوة عمل كبيرة لإدارة عملياتها المعقدة، وباختصار غالبا ما تكون التكاليف الثابتة ضخمة نسبيا.
ومن الواضح الآن وبعد عامين من جائحة كورونا وتراجع السفر الجوي فإن عديدا من شركات الطيران خرجت من تلك المواجهة مع فيروس كورونا في حالة من الإرهاق المالي الشديد، وإذا تواصلت حالة الفوضى في المطارات الأوروبية، وأجبرت شركات الطيران على إلغاء آلاف من رحلاتها، فمن المؤكد أن أياما عصيبة بانتظار الشركات العاملة في القطاع وربما يكون الإفلاس مصير عديد منها في الشهور المقبلة.