تتوقع استطلاعات الرأي أن يعزز اليمين المتطرف موقعه في البرلمان الأوروبي في نتيجة الانتخابات المقررة في جوان المقبل، ما سيمنحه تأثيرًا أكبر في رسم السياسات القارية، رغم أن الكفة الراجحة ستبقى بيد القوى التقليدية.
ودعي نحو 370 مليون شخص للإدلاء بأصواتهم في الدول الـ27 للاتحاد في الانتخابات التي تنظم بين السادس من جوان والتاسع منه، لاختيار 720 نائبًا في البرلمان الأوروبي.
وفي حين تظهر استطلاعات الرأي أن أحزاب اليمين المتطرف ستحسن موقعها مازال من المتوقع أن تبقى القوى التقليدية في البرلمان الأوروبي، وهي “حزب الشعب الأوروبي” (اليمين الوسط)، و”الاشتراكيون والديمقراطيون” ذوو الميول اليسارية، ومجموعة “تجديد أوروبا” الوسطية، في الطليعة.
تقول باسكال جوانين، المديرة العامة لمؤسسة روبير شومان: “ستحرز قوى اليمين الراديكالية والشعبوية وبعضها متطرف (…) تقدمًا، لكن لن تكون موجة عارمة”.
وتنقسم هذه القوى في البرلمان إلى مجموعتين هما مجموعة “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” ومجموعة “الهوية والديمقراطية” التي تضمّ التجمع الوطني الفرنسي و”حزب البديل من أجل ألمانيا”.
واستبعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، المرشحة لولاية ثانية في منصبها، والمنتمية إلى “حزب الشعب الأوروبي” اليميني، وهو الكتلة الرئيسية في البرلمان، التعاون مع مجموعة “الهوية والديمقراطية” المتهمة بأنها حليفة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ غير أنها تركت المجال مفتوحًا أمام إقامة تحالفات مع مجموعة “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” بقيادة رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تضمّ أحزابًا يمينية متطرفة، مثل حزب “فوكس” الإسباني وحزب “الاسترداد” الذي يتزعمه الفرنسي إريك زمور.
وقالت المسؤولة الألمانية في نهاية أبريل إن ذلك “سيعتمد على تركيبة البرلمان ومن سيكون في أي مجموعة”، ما أثار سخطًا في صفوف الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الخضر.
“لا ائتلاف”
تطمح ميلوني، التي أعلنت ترشحها على رأس قائمة حزبها اليميني المتطرّف “فراتيلي ديتاليا” (أخوة إطاليا) في الانتخابات الأوروبية، إلى تشكيل “غالبية في أوروبا توحّد قوى اليمين بهدف إرسال اليسار إلى صفوف المعارضة”.
لكن حتى الساعة مازال حلفاء “حزب الشعب الأوروبي” الرئيسيون هم “الاشتراكيون والديمقراطيون” و”تجديد أوروبا” (رينيو، وسط).
وأوردت جوانين: “اليوم بحسب استطلاعات الرأي لا يوجد ائتلاف مستقرّ غير الائتلاف الموجود في السلطة حاليًا”.
وترجّح الاستطلاعات بقاء “حزب الشعب الأوروبي” القوة السياسية الأولى في البرلمان، على أن يليه الحزب الديمقراطي الاشتراكي رغم الخسائر المتوقعة لهاتين المجموعتين السياسيتين.
ويتمثل الرهان في معرفة من سيحل في المركز الثالث الذي تشغله حاليًا مجموعة “تجديد أوروبا”، التي تشير الاستطلاعات إلى تراجع شعبيتها، وهي مهددة بصعود “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” و”الهوية والديمقراطية”.
وتتوقع المحللة أن يبقى تحالف “حزب الشعب الأوروبي” و”الاشتراكيين والديمقراطيين” و”تجديد أوروبا” في الغالبية.
لكن بحسب النتائج التي سيسجلها حزب “فراتيلي ديتاليا” ستحاول ميلوني “الحصول على مناصب والتأثير في قضايا تهمها كثيرا، مثل الهجرة والتأثير في المناقشات بالقول +لدي الكثير من النواب، لذا إذا أردتم أصوات نوابي في هذه المسألة يجب فعل ذلك على النحو التالي+”.
انقسامات
قال الخبيران لدى معهد جاك دولور الأوروبي للأبحاث ناتالي براك وأونيغ مارييه مؤخرًا إن الائتلاف الحالي “يتوقع أن يستمر في الهيمنة على عملية صنع القرار بعد الانتخابات”، لكن “تعزز صفوف اليمين القومي والمحافظ (…) قد يزيد من وتيرة التحالفات اليمينية التي شكلتها مجموعتا +حزب الشعب الأوروبي+ و+المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين+”.
لضمان غالبية كافية، سيتوجب على المجموعتين الحصول على دعم مجموعة “تجديد أوروبا” أو “الهوية والديمقراطية”، وهو مازال غير مضمون، بحسب الخبيرَين، اللذين أشارا إلى حدوث تقارب في الفترة الأخيرة بين مجموعات يمينية حول مواضيع محددة مثل رفض أو التخفيف من بعض بنود “الميثاق الأخضر” الأوروبي الذي يُنتقد بسبب العبء المفترض الذي يمارسه على الشركات والأسر.
وتقول الرئيسة المشاركة لائتلاف الخضر في البرلمان تيري راينتكه إن صعود اليمين الراديكالي سيزيد “من صعوبة الوصول إلى غالبية لصالح حماية المناخ أو المخاوف الاجتماعية أو تبني موقف واضح في مواجهة الحكومات الاستبدادية”.
غير أن فرضية اندماج مجموعتَي “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” و”الهوية والديمقراطية” تبدو غير محتملة، إذ إن الانقسامات بين المجموعتين كبيرة، خصوصًا في ما يتعلق بأوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة، وكذلك في انتظار معرفة أي مجموعة ستنضمّ إلى حزب فيدس المجري الحاكم بزعامة فيكتور أوربان الذي ظلّ قريبًا من موسكو رغم الغزو الروسي لأوكرانيا.
وستحدد التوازنات السياسية الناجمة عن الانتخابات الأوروبية توزيع “المناصب العليا”، أي المناصب على رأس مؤسسات الاتحاد الأوروبي، أبرزها المفوضية والمجلس الأوروبي والبرلمان.