رجحت الأمم المتحدة وعاملون في مجال الصناعة ومحللون لسوق الأسمدة أن يتسبب النقص في الأسمدة الأساسية التي تعد روسيا مصدرا رئيسا لها، بارتفاع كبير بأسعار المواد الغذائية العام المقبل، محذرين من أزمة غذاء عالمية تصل إلى حد الجوع.
وزادت الأسعار العالمية لأسمدة NPK الكيميائية “N للإشارة إلى النيتروجين وP للفوسفور وK للبوتاسيوم” ثلاثة أضعاف بين بداية العام الماضي، ومنتصف العام الجاري، في سابقة من نوعها، وفقا لـ”الفرنسية”.
وكان جول جاكسون، وهو محلل سوق الأسمدة والمدير العام لشركة “بي إم أو كابيتال ماركتس” قد قال في جويلية خلال مؤتمر لمحللين في الولايات المتحدة، “إن صعوبة عملي تكمن في توقع المستوى الذي ستبلغه الأسعار في الأشهر الـ18 المقبلة”.
في أوروبا، بلغت أسعار أسمدة NPK مستوى تاريخيا، لأنها مرتبطة بأسعار الغاز، إذ إن هذه الأخيرة تشكل 90 في المائة من تكاليف إنتاج الأسمدة النيتروجينية مثل الأمونيا وسماد اليوريا، غير أن أسعار الغاز الطبيعي تواصل ارتفاعها مع خفض روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا الداعمة لأوكرانيا.
وللحفاظ على أرباحها، أوقف العديد من مصنعي الأسمدة الأوروبيين إنتاجهم من الأمونيا، التي يتم الحصول عليها من خلال الجمع بين النيتروجين من الهواء والهيدروجين من الغاز الطبيعي. وهذا التوقف عن إنتاج الأمونيا لم يحصل منذ أزمة 2008 المالية.
ويقول نيكولا بروتان، وهو رئيس الفرع الفرنسي لشركة “يارا” النرويجية لتصنيع الأسمدة النيتروجينية، خلال حديث، إن وصول سعر الميجاواط/ ساعة من الغاز إلى أكثر من 300 يورو حاليا بعدما كان معدله “20 يورو في الأعوام العشرة الأخيرة” هو “مشكلة كبيرة”. ويضيف “لم يعد بإمكان مصنعي الأمونيا تحمل ذلك، لأن سعر الغاز أصبح أغلى بـ 10 أو 15 مرة من قبل”.
وأعلنت شركة “يارا” أمس، أنها ستخفف بعد من إنتاجها للأمونيا في أوروبا بفعل أسعار الغاز، لتكون بذلك تستخدم أقل من 35 في المائة من قدرتها الإنتاجية في أوروبا.
وكانت الشركة قد أوقفت للأسباب نفسها، مرتين منذ مطلع العام، تشغيل مصنعها في فيراري في إيطاليا وعلقت عملية الإنتاج لثلاثة أسابيع في مصنع لو آفر في فرنسا. وبالتالي، سينقص من إنتاج “يارا” 3.1 مليون طن من الأمونيا وأربعة ملايين طن من المنتجات النهائية.
وأعلنت شركة “آزوتي” البولندية المصنعة للأسمدة هذا الأسبوع أنها ستعلق 90 في المائة من إنتاجها للأمونيا، وأعلنت أيضا الشركة الليتوانية الأولى في المجال “أكيما” أنها ستعلق تشغيل مصنعها في الأول من سبتمبر.
في المجر، شركة “نيتروجينموفيك” أيضا متوقفة عن العمل، وسيتوقف مصنع “بورياليس جرانبوي” في فرنسا عن العمل في سبتمبر وأكتوبر، بحسب منشور صدر عن شركة “أرجوس” للأبحاث.
ويضيف بروتان “خطر النقص الذي قد يتسبب به توقف الإنتاج في كل أنحاء أوروبا هو خطر حقيقي، وقد تحدث مشكلة في الموارد لأن الأسمدة تصنع في الشتاء تحسبا لموسم ربيع 2023”.
وقد ينقص المزارعين البوتاس بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، التي تعد واحدة من المنتجين الرئيسين له، إضافة إلى العقوبات على بيلاروس “المسؤولة عن سدس إنتاج العالم من البوتاس”، بحسب جول جاكسون.
وقبل بداية الحرب في أوكرانيا، كانت روسيا أول مصدر لأسمدة NPK الكيميائية على المستوى العالمي.
وقال أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إن الأسمدة والمواد الزراعية الروسية لا تطولها العقوبات ويمكن أن تصل بسهولة للأسواق العالمية و”دون أي حواجز”، محذرا من حدوث أزمة غذائية عالمية في 2023 إذا ما تحقق الاستقرار في سوق الأسمدة في 2022.
ولفت خبراء من معهد “سيكلوب” لتحليل الأسواق العالمية للمواد الأولية والسلع إلى أن البرازيل، وهي قوة زراعية تعتمد على روسيا كمزودها الأول بالأسمدة، “أدركت اعتمادها هذا الذي سيؤثر في الحملة الزراعية لعام 2023”.
ويقول بروتان إن المصنعين يتخوفون من “تدمير اصطناعي للطلب” بحيث يخشون أن يعتمدوا التقنين أو أن يضطروا إلى التوقف عن استعمال بعض الأسمدة التي أصبحت باهظة الثمن، الأمر “الذي بدأ يصبح ملحوظا في كل أنحاء أوروبا”.
وأضاف خبراء “سيكلوب” أن “ارتفاع أسعار الأسمدة وتخفيف استعمالها سيكون ملموسا في 2023 و2024″، متوقعين “انخفاضا كبيرا” في الإنتاج الزراعي في إفريقيا. غير أن هذه الاضطرابات المتركزة بشكل أساسي في أوروبا، تناسب البعض.
فمنذ نهاية 2021، بدأ منتجون أوروبيون باستيراد الأمونيا من أمريكا الشمالية أو من أستراليا، بحسب بروتان، من أجل الاستعاضة عن الغاز الروسي. ويرى البعض في ذلك حسنة بالنسبة للأسمدة العضوية أو الأسمدة المصنعة من خلال “الهيدروجين الأخضر”.
في غضون ذلك، ستزيد “نوتريان” الكندية، وهي الشركة الأولى عالميا في إنتاج الأسمدة، إنتاجها للبوتاس للتعويض عن أي نقص محتمل من الجانب الروسي أو البيلاروسي. ويتوقع جول جاكسون أن تتضاعف أرباح “نوتريان” هذا العام.