أكد الاتحاد العام التونسي للشغل، أن إصلاح الأخطاء التي تسربت إلى مشروع الدستور لم يقتصرعلى تدارك الأخطاء الشكلية أو المادية التي وردت في نصّ مشروع الدستور فحسب، بل شمل مراجعة لمضامين بعض الفصول وتنقيحا جوهريا لأحكامها.
وقال إن هذه المراجعة التي قام بها رئيس الجمهورية وما أدخله عبرها من تعديل على مضمون النص الدستوري المقترح على الاستفتاء، تمثّل اعترافا صريحا بمشروعية وصواب القراءة النقدية التي قام بها الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى جانب عديد الهيئات والشخصيات والخبراء من المجتمع المدني والسياسي والأكاديمي، لمشروع الدستور المقترح الذي اعترته نقائص وإخلالات كثيرة وجوهرية، من خلال الورقة النقدية التي تقدّم بها للمساهمة،رغم التفرّد الذي طبع صياغة المشروع المذكور، في الوصول إلى دستور يكرّس دولة القانون والمؤسسات ويضمن التعدّديّة والتّداول السّلمي على السّلطة ويحمي الحقوق والحرّيات في إطار نظام سياسي مدني ديمقراطي اجتماعي يفصل بين السّلط ويوازن بينها.
وأضاف الاتحاد أنه سجّل ما تضمنته بعض التنقيحات المدخلة من تحسينات جزئية على مشروع الدستور مثلت مراجعة إيجابية من شأنها تلافي ما اعترى بعض فصوله من إخلالات ونقائص وأهمها:
مراجعة الفصل 55 من مشروع الدستور بإدراج عبارة التناسب بدل الملاءمة وحذف عبارة الآداب العامّة من مرجعات تقييد الحقوق والحريات الدستورية
مراجعة الفصل71 بالتنصيص على أنّه يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب انتخابا عامّا حرّا مباشرا
مراجعة الفصل 90 بالتنصيص على أنّه لا يجوز تولّي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متّصلتين أو منفصلتين.
مراجعة الفصل 124 بالتنصيص على حقّ كلّ شخص في محاكمة عادلة في أجل معقول وعلى أنّ المتقاضين متساوون أمام القضاء وعلى أنّ حقّ التّقاضي وحقّ الدّفاع مضمونان.
مراجعة الفصل 125 بالتنصيص على تسمية أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التّعقيب، وأقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية أو الاستشارية بالمحكمة الإدارية وأقدم أعضاء محكمة المحاسبات أعضاء بالمحكمة الدستورية.
واعتبر الاتحاد أن الاكتفاء بإصلاح بعض التعابير في التوطئة دون تعديلات جوهرية على منظومة القيم والمرجعيات هو إصرار على تغييب القيم الكونية لمنظومة حقوق الإنسان ورغبة جامحة في إعادة كتابة مسار التاريخ من منظور ذاتي.
ولاحظ أنّ عبارة في ظلّ نظام ديمقراطي المضافة إلى الفصل الخامس من المشروع الذي ينصّ على أنّ الدولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام وإلى الفصل 55 المتعلّق بضمانات تقييد الحقوق والحريات الدستورية هي عبارة محايدة وفضفاضة وليس من شأنها تبديد المخاوف من جعل العامل الديني عنصرا من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة وتوظيفه في البناء المجتمعي بما يمثل تهديدا جديا وخطيرا لسيادة القانون ولمنظومة الحقوق والحريات وللمواطنة والمساواة وللطابع الوضعي للنصوص التشريعية ولا من التقليص الخطير من ضمانات حماية الحقوق والحريات الدستورية الناتج عن تغييب معايير ومقوّمات وضوابط الدولة المدنية.
كما سجّل عدم مراجعة باب الحقوق والحريات لتكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تناسبا مع شعارات ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي، مع تواصل إغفال القطاع التضامني والاجتماعي كقطاع واعد الذي تتجسد فيه شروط التمكين الاقتصادي الشعبي الحقيقية وكذلك غياب التعديلات بخصوص الحقوق المكتسبة للمرأة بما يدعّم ضمانات المساواة والتناصف والتمكين.
وشدد على أن المراجعة المدخلة على مشروع الدستور المقترح لم تعالج الإخلالات الأساسية التي تعيق بناء دولة القانون والمؤسسات وإرساء نظام سياسي مدني ديمقراطي اجتماعي قائم على الفصل بين السّلط والتوازن بينها وحماية الحقوق والحرّيات وإنفاذها، وأهمّها:
تواصل الإخلال بمبدأي الفصل والتوازن بين السلط بما أنهما أساس كلّ نظام وبناء ديمقراطي وليسا مجرّد إجراء شكلي كما يدّعي البعض الحفاظ على تحكّم رئيس الجمهورية في جميع السلطات وعلى مركزة جميع الصلاحيات بين يديه وجعله فوق كلّ محاسبة ومراقبة وتحصينه من كلّ مساءلة سياسية أو جزائية.الإبقاء على حالة الاستثناء دون تسقيف زمني ودون رقابة من المحكمة الدستورية وجعلها سلطة من السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية.
الإبقاء على صلاحية الالتجاء إلى الاستفتاء التشريعي والدستوري المباشرين بيد رئيس الجمهورية بما يسمح له بتجاوز السلطة التشريعية لمجلس نواب الشعب وحتّى السلطة التأسيسية.
الإبقاء على صلاحية تعيين رئيس الحكومة وتسمية أعضائها وإقالتها أو إقالة أحد أعضائها تلقائيا بمحض إرادة رئيس الجمهورية مع تحصينها فعليا ضد الرقابة التشريعية من خلال فرض أغلبية معزّزة من المجلسين لإمكان توجيه لائحة لوم والمصادقة عليها
إضعاف صلاحيات الدور الرقابي لمجلس نواب الشعب على عمل السلطة التنفيذية من خلال فرض شروط شبه مستحيلة لممارسته
التقليص إلى حدّ خطير من استقلالية هيئات الدولة ومؤسّساتها التي يُفترض توفّر شرط الاستقلالية فيها كالبرلمان والقضاء والجماعات لمحلّية والهيئات الدستورية وتهميش دورها أو إلغاء وجودها أصلا.
إقصاء سائر الفئات والمهن القانونية الأخرى غير القضاء من عضوية المحكمة الدستورية وفي مقدمتهم أساتذة التعليم العالي المختصّين في القانون بما يغيّب التنوع الفكري والسياسي داخلها.
التقليص من فاعلية عمل المحكمة الدستورية وإعاقة تأسيس فقه قضاء دستوري مستقر من خلال إسناد عضوية المحكمة لأقدم رؤساء الدوائر في محكمة التعقيب والمحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات والذين سيكونون في الغالبية الساحقة من الحالات في سنة عملهم الأخيرة قبل إحالتهم على التقاعد.
إغفال مفهوم المصلحة العامة ومبادئ الحوكمة الرشيدة وقيم الشفافية والنزاهة والحياد والجودة وغيرها-إحداث مجلس يمثّل الجهات والأقاليم يمهّد لطريقة التصعيد سبيلا للتمثيل فيه بما يؤسّس لما يسمّى بالبناء القاعدي ومقاسمته من حيث الدور والصلاحيات مع مجلس النوّاب وهو تساو يضعف مجلس النوّاب ويفقده صفته التمثيلية المترتّبة عن الانتخاب العام الحرّ والمباشر ويخلق تنازعا بين المجلسين ويعيد انتاج الأزمات والتعطيل
المصدر: الشعب نيوز