نشر الدكتور هشام العلوي مقالته الجديدة على صفحات المجلة الشهرية لوموند دبلوماتيك تحت عنوان ” الإنتصار الهش للثورة المضادة في العالم العربي ” .
وقد تضمنت المقالة تحليلا عميقا عالج من خلاله أسباب فشل الربيع العربي ، وأن الثورة المضادة إنتصار هش محصور زمنيا محتملا عودة الإحتجاج مستقبلا .
العلوي وهو ابن عم الملك المغربي محمد السادس ويعمل حاليا باحثا في جامعة هارفارد قال “يبدو أن إغلاق المؤسسات بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيد قد أغلق بشكل رمزي الأقواس الديمقراطية التي بدأت في المغرب العربي والمشرق في عام 2011. ولكن هل هذا الاغلاق نهائي؟ بدون عقيدة أيديولوجية واضحة ومشاريع اقتصادية قابلة للحياة ، ستعاني الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي عاجلاً أم آجلاً من احتجاجات ضخمة جديدة.”
يسترسل العلوي في مقاله ليقول ” بعد أكثر من عقد من الانتفاضات الشعبية في عام 2011 ، تعيش المجتمعات العربية حالة من اللامبالاة والتعب الناتج عن موجة متواصلة من الضغوط المضادة للثورة. من ناحية أخرى ، الناس العاديون منهكون: لم تعد أي أيديولوجية جديرة بهذا الاسم تسقي الجسم الاجتماعي بعد الآن ، وأولئك الذين ما زالوا يرغبون في التعبئة يواجهون القمع الذي لا هوادة فيه. من ناحية أخرى ، فإن النخب السياسية منهكة لدرجة أنها لم تعد تبذل أي جهد لإقناع الجماهير أن مستقبلًا أفضل أو أكثر ازدهارًا ينتظرهم. لذلك فهم يديرون امتيازاتهم مع الحفاظ على الوضع الراهن.
تجتمع هاتان الديناميكيتان لإبعاد غالبية السكان عن السياسة. جزء لم يعد يتصور خلاصه إلا في الهجرة. لكن أولئك الذين يبقون في البلاد لن يظلوا ساكنين في السنوات القادمة. إن حجم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الناشئة يبشر بالخير لموجة جديدة من السخط الشعبي. في غضون ذلك ، ينبع القصور الذاتي الحالي من عدة عوامل. الأول هو خيبة أمل مريرة من الديمقراطية نفسها. تونس هي الحالة الأكثر رمزية. كانت رائدة في “الربيع العربي” عام 2011 ، وقاومت لفترة طويلة الانحدار الديمقراطي الذي أعقبها. ومع ذلك ، إذا نجح الانقلاب المؤسسي الذي قرره الرئيس قيس سعيد في 25جويلية 2021 ، فلن يقتصر الأمر على أن مؤسسات ما بعد الثورة التي وضعها دستور 2014 قد أثبتت أنها هشة بشكل غير عادي فحسب ، بل أيضًا أن عدد السكان قد نما. تعبت من الفساد المستشري والألعاب السياسية. استفادت سلطوية السيد سعيد القيصرية من خيبة أمل النشطاء من الديمقراطية ، وهو دليل على أن النظام السياسي القائم على التعددية والشمول يمكن أن يعاني من تراجع وحشي. كما ساهمت التطورات السياسية الأخيرة في الغرب في خيبة الأمل الديمقراطية في العالم العربي “
السبب الثاني لنكوص مشروع الديموقراطية في بلدان الربيع العربي يعيده العلوي الى فشل الإسلام السياسي إذ إن الحركات الإسلامية التي فازت قبل عشر سنوات في عديد الانتخابات لم تعد تمثل بديلا ذا مصداقية. وسواء تعلّق الأمر بحركة «النهضة» التونسية أو «الإخوان المسلمون» في مصر أو حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، فإنها تبدو جميعا وقد شاخت وفقدت صلتها بجموع الشباب حين نعلم أن ثلثي سكان البلاد العربية هم في عمر أقل من ثلاثين عاما، فضلا عن المشروع الاقتصادي لهؤلاء يبدو أقرب إلى النموذج الليبرالي البعيد عن مقتضيات العدالة الاجتماعية. كما أن هذه الأحزاب كثيرا ما بحثت عن مختلف الأعذار لتبرير فشلها في الحكم متجنبة نقدها الذاتي ومفضلة الإشارة إلى مناورات «الدولة العميقة» ضدها.
السبب الثالث أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجالا يحتكره الشباب الطامحون في التغيير والباحثون عن فضاء بعيد عن رقابة السلطة لأن هذه الأخيرة لم تعد تعتمد قطع الوصول إلى هذا الفضاء وإنما إغراقه بحضورها وبتتبع نشطائه والتضييق عليهم واختراق مواقعهم والسعي الدائم إلى إرباكهم.
أما السبب الرابع وراء السخط والجمود السياسيين أن المجتمع المدني العربي أصبح هو نفسه أكثر كسرا وقابلية للاختراق بحيث أن الأمور لم تقف عند حد أن أغلبية الأنظمة استطاعت أن تُخرس النقابات والجمعيات المهنية بل إن المنظمات غير الحكومية سقطت هي الأخرى في فخ مراعاة الأهداف قصيرة المدى على حساب التغييرات الأكثر عمقا، وفق ما ذكره الكاتب. ويبقى السبب الخامس والأخير أن عددا من الدول العربية قد فوّضت جزءا من صلاحياتها إلى ميليشيات تقاتل على الأرض كما حصل في لبنان والعراق وليبيا واليمن وسوريا.
ويؤكد الكاتب أن الثورة المضادة لا تملك سوى عودة الاستبداد عبر الخوف والإكراه وأن الموجة الجديدة من «الربيع العربي» التي يراها قادمة لا محالة، ستكون أقوى بكثير من سابقتها وأن الدول التي تبدو الآن وكأنها في سبات سياسي ستجد نفسها في طريقها.