هل هناك توافق حول توصيف الوضع المناخي في تونس بين الادارة او الجهات الرسمية و الخبراء و مؤسسات البحث العلمي و المجتمع المدني ؟ ما هي المراجع التي يمكن اعتمادها باعتبارها استراتيجية الدولة و المجتمع في التاقلم مع المتغيرات المناخية ؟ ماهو تقييم الدكتورة روضة القفراج لتعامل السلط مركزيا و جهويا مع تواصل الجفاف وفقر
التربة في علاقة بتوفير الماء الصالح للشراب و للقطاع الفلاحي و لبقية القطاعات ؟ هل لنا خارطة فلاحية اليوم تراعي الاولويات الوطنية ؟ هل هناك تواصل بين أهل الاختصاص وبين اصحاب القرار ؟ كيف تنظر للحلول المطروحة لمواجهة الشح المائي وخاصة تحلية مياه البحر واعادة استغلال المياه المستعملة المعالجة وكذلك الاستمطار ؟
حول هذه الأسئلة وغيرها توضح الدكتورة روضة القفراج الخبيرة في الموارد و السياسات المائية و التأقلم مع التغيرات المناخية في حوار مع تونيزي تيليغراف حول التحديات التي يواجهها قطاع المياه في تونس والحلول الممكنة على المديين القريب والبعيد .
تقول الدكتورة روضة الكفراج “كل التقارير العلمية التي تخص التغيرات المناخية وتأثيرها على الطبيعة وعلى الموارد المائية والفلاحة تؤكد ضرورة التأقلم مع ازدياد درجات الحرارة وخاصة تواتر فترات الجفاف. من ضمن هذه التقارير نجد “التقرير الوطني الرابع لتونس في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ”، كذلك “استراتيجية التنمية المحايدة للكربون والقادرة على التكيف مع تغير المناخ بحلول عام 2050” و “الاستراتيجية الوطنية للتحول البيئي”، كما نشير إلى الدراسة الاستشرافية للمياه لأفق 2050 وغيرها من التقارير العلمية والاستشرافية. الأخير هو تقرير البنك الدولي “تقرير المناخ والتنمية بتونس” والذي يدلي بأرقام مفزعة وبخسائر كبيرة إن لم نسارع في التأقلم. كل هذه التقارير منشورة ولكن العمل بها ضعيف جدا إن لم نقل غائبا، كان تغير المناخ هو أمر خارج عن سيطرتنا ولا موجب لمقاومته لأن المعلوم هو أن البلدان المتقدمة هي المتسببة في تغير المناخ أولاً وثانيا مساهمة تونس في انبعاث الغازات الدفيئة ضعيفة جدا مما يبرر التباطؤ وعدم أخذ القرارات وخاصة تفعيل ما جاء في هذه التقارير عدم إعلان الدولة بصفة رسمية وحسب ما ينص عليه القانون بأن البلاد تعاني من الجفاف حتى تأخذ كل التدابير لمجابهة هذه الحالة يعتبر غير مبرر بالنسبة إلى الخبراء الذين ينادون بوجوب إعلان حالة الطوارئ وأخذ قرارات استثنائية لوضع استثنائي.
إن أول تأثير للتغيرات المناخية هو ازدياد درجة الحرارة وخاصة انحراف الدورة المائية للأرض. هذا يعني ازدياد وتفاقم فترات الجفاف في مناطق وفيضانات في مناطق أخرى لأن الدورة المائية مستقرة وكمية الماء التي تنزل على الارض هي نفسها منذ خلق الأرض. الجفاف له عواقب عميقة على كل عناصر الطبيعة وخاصة على التربة التي تمثل أكبر خزان لمياه الأمطار والتي تمكن من تغذية المائدة المائية. في حالة الجفاف المتواصل تنقص ايرادات السدود وتنقص تغذية المائدة الجوفية ويزداد الطلب على الماء للفلاحة بصفة عامة، وللبيئة وللشرب، للإنسان وللماشية، ونظرا لأولوية مياه الشرب فأن الموارد المائية تخصص كليا للشرب مما يمثل عائقا للمناطق السقوية حيث يلتجأ الفلاحين إلى حفر آبار عشوائية أو شراء الماء من فلاحين آخرين أو حتى استعمال مياه الشرب للري. لذلك فإن تامين الماء الصالح للشراب مستحيل في ضل عدم قدرة الدولة على تامين الماء للفلاحةوعدم أخذ قرارات صارمة في هذا الشأن. للأسف لا توجد خارطة فلاحية محينة تثبت الأولويات كذلك ليس لوزارة الفلاحة القدرة على حماية الملك العمومي للمياه خاصة ان نقص الماء يتبعه تدهور نوعية الماء، من تملح ومن تلوث، يتطلب تنقية ومعالجة عميقةلإنتاج الماء الصالح للشراب مما يزيد في كلفة انتاج الماء. كذلك لا ننسى أن تقادم وتدهور شبكات الماء عند المجامع المائية او عند الصوناد أو بالمناطق السقوية هي كارثة كبيرة من ناحية ضياع الماء الذي يمثل 30% عند الصوناد و50% عند المجامع المائية للري أو للشرب . تعامل الدولة مع تواصل الجفاف مركزيا وجهويا لا علاقة له بالواقع المائي من ناحية تأمين ماء الشرب وتأمين الغذاء. ترتكز جهود الدولة على مياه السدود الكبرى وتنسى كل ما يدور حول المياه الجوفية من استنزاف وتدهر لنوعية الماء علما وأن الصوناد تأخذ تقريبا 50% من الماء من السدود الكبرى والباقي من المائدةالمائية ومن تحلية مياه البحر. كما أن في فترات الجفاف فإن كمية الماء الموجهة للفلاحة لم تنقص لان أكثرمن 90% من حاجيات الفلاحة أخذت من المياه الجوفية. الملحوظ هو عدم أخذ اصحاب القرار بما ينصح به الخبراء للأسف وهو ما لا نجد له تفسيرا غير عدم اعتراف السلطة بعلاوة العلم في هذا المجال.
إن وضع الماء في تونس صعب ومتأزم وقد يصبح خارجا عن السيطرة وذلك رغم اللجوء إلى تحلية مياه البحر التي لن تكفي لتغطية حتى الماء الضايع في القنوات وذلك لضعف عميق في ادارة الماء وحوكمته وعدم قدرة وزارة الفلاحة على حماية الملك العمومي للمياه. لذلك فإن أول قرار هو إخراج التصرف في المياه بأنواعها من وزارة الفلاحة ووضعها تحت مؤسسة أعلى من الوزارات والاعتراف بأن الماء مسألة تخص الامن القومي ولابد أن يكون تحت مسؤولية الحكومة أو حتى رئاسة الدولة. الإسراع في صيانة المنشآت وقنوات الماء في كل المجالات وتجديد شبكات الماء حتى تتحسن مردودية نقل الماء.
صياغة خطة وطنية لمساندةً الصوناد لتغطية العجز المالي التي تعيشه مع اعتبار نموذج جديد لتسعيرة الماء وكذلك العمل مع الديوان الوطني للتطهير حتى يتسنى اعادة استعمال المياه المعالجة في أماكن محددة وذلك لعدم مقدرة هذه المياه على تغطية حاجيات الفلاحة في فترات الجفاف.
العمل على توفير مخزون مائي استراتيجي لمجابهة الجفاف ولتغطية حاجيات الفلاحة المطرية والمروية، لذلك وجب إقرار أولويات الفلاحة من ناحية تلبية حاجيات المواطنين والتصدير.
ونظرا للوضع المائي وعدم المصادقة إلى حد الان على مجلة المياه الجديدة فوجب إصدار أوامر استعجالية في عدة مجالات ومنها خاصة حماية الموارد الجوفية التي تمثل المخزون الاستراتيجي. تعزيز محطات تحلية مياه البحر خاصة للمدن التي تزود الان بمياه الشمال حتى نؤمن الماء لكل المدن في غياب الإيرادات إلى السدود ونترك مياه السدود للفلاحة وإلا سوف تضمحل الفلاحة وخاصة تربية الماشية.
استعمال كل التكنولوجية الحديثة للحد من ضياع الماءً وللري المستدام كذلك ولما لا بعث برنامج نموذجي للاستمطار مع العلم وأن الركيزة الأولى للاستمطار هي تواجد السحب التي هي متأتية من التبخر الناجم عن البحار والارض والنباتات وكلما ينقص الري ينقص التبخر للنباتات والأشجار لذلكً يجب درس هذه التكنولوجيا بدقة وبعمق وخاصة تحديد مناطق استعمالها والمردوديةً والتكلفة مقارنة بحلول أخرى.