بعدما كانت الشكوك تحوم حول إمكانية تأجيلها، وفي قرار “مفاجئ” حسب متتبعين، أعلنت الجزائر، أمس الخميس، عن إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في السابع من سبتمبر المقبل، بعدما كان مقررا إجراؤها أواخر العام الحالي، حسب ما أفادت به بيان للرئاسة الجزائرية.
القرار الجديد، الذي صدر على هامش اجتماع ترأسه تبون بقصر المرادية بحضور السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، ورئيسي غرفتي البرلمان، اعتبره معارضون للنظام تعبيرا عن جليا عن حالة التيه السياسي والصراع الداخلي الذي يعيشه هذا الأخير واستمرارا لسياسة “بناء القرار السياسي على التفاعل الإعلامي” التي يتبناها حكام هذا البلد، مؤكدين أن إعلان تنظيم انتخابات قبل موعدها يكشف عن رغبة صانع القرار الانتخابي في البلاد في “إظهار استقلاليته عن القرار الفرنسي”.
تخبط سياسي وصراع أجنحة
في هذا الإطار، قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “الإعلان عن تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في الجزائر يكشف عن عدم الاستقرار الداخلي والخارجي وعن التخبط والتردد السياسيين اللذين يعيشهما النظام، خاصة في ظل تضارب الروايات في الفترة الأخيرة؛ بل وتشكيك عدد من السياسيين الجزائريين أنفسهم في إمكانية تأجيل هذه الانتخابات”.
أضاف بن زهرة، في تصريح لهسبريس، المغربية أن “هذه الخطوة المفاجئة تكشف أيضا عن وجود جهات معينة داخل بنية النظام الحاكم لا تريد التمديد للرئيس الحالي عبد المجيد تبون لعهدة ثانية؛ بالنظر إلى الفشل السياسي والاقتصادي وكذا الدبلوماسي الذي راكمته البلاد في ولايته الأولى”، مشيرا إلى أن “الموعد الجديد المحدد لهذه الانتخابات يأتي تزامنا مع زيارة مرتقبة لتبون إلى فرنسا كانت قد أعلنت عنها الرئاسة الجزائرية في وقت سابق؛ وهو ما يثير العديد من التساؤلات”.
في هذا الصدد، أوضح الناشط السياسي الجزائري المعارض أن “المفترض أن هذه الزيارة التي أسالت الكثير من المداد ستكون بمثابة مصادقة فرنسية على ولاية رئاسية ثانية للرئيس الحالي؛ وبالتالي فإن خطوة إجراء انتخابات سابقة لموعدها بهذا الشكل وفي السياق يكشف عن صراع أجنحة داخل النظام حول شخص تبون ورغبة بعض الأطراف في التخلص منها للأسباب التي ذكرناها سابقا”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول تداعيات هذا القرار على المشهد السياسي في الجزائر، اعتبر المتحدث ذاته أن “الخطر الكبير الذي تطرحه هذه الخطوة هو تلاعب النظام الحاكم في البلاد بمؤسسات الدولة واستمرار اللعب على ورقة الخطر الخارجي القادم من المغرب من أجل إخفاء فشل هذا النظام في إدارة وتدبير عدد من المحطات السياسية والاقتصادية الكبرى وكذا من أجل احتكار ومصادرة المجال السياسي من طرف المؤسسة العسكرية بمزاعم وجود تهديد خارجي يستهدف الأمن القومي الجزائري”.
جس نبض وتحريك للمشهد
في تفاعله مع هذا الموضوع، قال وليد كبير، صحافي جزائري معارض، إن “هذا القرار الأخير لا يعدو أن يكون مجرد مسرحية سياسية؛ ذلك أن مسألة التأجيل سبق أن أثيرت، ووجه النظام بعض سياسييه لإثارتها لجس نبض الجانب المغربي حول هذا الموضوع وهو ما يفسره خروج وكالة الأنباء الجزائرية نفسها ببرقية تهاجم من خلالها المغرب ومؤسساته الإعلامية التي تناولت الانتخابات في البلاد وتؤكد أنها ستجرى في موعدها الدستوري المحدد”.
وأوضح كبير، في معرض حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا القرار اتخذ لأن النظام الجزائري بات حبيس وسائل التواصل الاجتماعي ويتخذ قرارات تتعلق بالأمن القومي الجزائري وبالمصالح العليا للبلاد بناء على منشورات فيسبوكية ومخرجات حربه الإعلامية ضد دول الجوار، حيث إنه أراد أن يرد على ما أثير من تأجيل وتنفيذه بالإعلان عن تنظيم الرئاسيات قبل الموعد المحدد سلفا”، مشددا على أن “المشكلة الأساسية للنظام هو المغرب، حيث إن كل قراراته مرتبطة بهذا الأخير وهي مجرد رد فعل على ما يروج في الإعلام المغربي والدولي لا أقل ولا أكثر”.
ولفت الصحافي الجزائري المعارض إلى أن “هذا القرار يجد له أيضا تفسيرا في زيارة تبون إلى فرنسا التي كان سيزورها لحصد دعم الإليزيه لتزكيته لولاية ثانية، حيث ارتأى النظام تنظيم هذه الانتخابات قبل الموعد المرتقب لهذه الزيارة لكي يُظهر للعالم وللرأي العام الوطني والدولي أن قراره مستقل عن القرار الفرنسي”، مشيرا إلى أن “قرار تسبيق الانتخابات اتخذ دون توضيح أسباب ذلك؛ بالنظر إلى أن الدستور الجزائري يمنح للرئيس هذا الحق دون ذكر توضيح هذه الأسباب”.
ورجح المصرح لهسبريس أن يتم التمديد لعبد المجيد تبون على رأس قصر المرادية لولاية أخرى؛ بالنظر إلى عدم وجوه أي مرشح منافس في الوقت الحالي يمكن للنظام أن يراهن عليه، مسجلا في هذا الصدد أن “هذا الأخير سيدفع ببعض الوجوه إلى الترشح لتحريك المشهد السياسي الراكد وإعطاء الانطباع بوجود مناخ ديمقراطي في البلاد”.