المفكرة القانونية تكشف عن معاناة نساء تونس وراء المقود

0
25

كَشفت دراسة سوسيولوجية حول “العنف والفُحش المسلط ضد المرأة في الفضاء المروري“ أنجزت عام 2023، أن النساء في تونس مستهدَفَات أكثر من الرجال في الطرقات لأسباب متعددة من بينها التنشئة الاجتماعية، وأن أكثر من 42% من السوّاق يعتبرونهنّ المسؤولات عن حوادث السير حسب تحقيق للمفكرة القانونية .

وقد صرّحت رانية الغويل، وهي باحثة في علم الاجتماع، شاركَت في إعداد هذه الدراسة الكميّة والنوعية، أن “النساء يتعرّضن في الفضاء المروري إلى عنف لفظي ومعنوي وجسدي”. كما أكدت أن  “60% من المستجوَبين يَشتُمون سائق العربة بمجرد اكتشاف أنه امرأة”، مضيفة أن “المرتبة الأعلى للعبارات والأوصاف الموجهة للمرأة السائقة هي الكلام البذيء بنسبة 34%”.  وفسّرت الباحثة هذه الظاهرة بأن “العنف في الفضاء المروري يعكس ما يحدث في الفضاءات الخاصة كالأسر والمؤسسات، وهو ما يُفسّر حدوث جرائم بشكل دوري ضد النساء”.

بلا شكّ يقول تحقيق المفكرة القانونية “أن النساء في تونس قطَعنَ فعلا أشواطا في مسيرة افتكاك حقوقهن والمثابرة على تحقيق المساواة مع الرجال. لكن المجتمع الذكوريّ ما زال غير مقتنع بأحقيّتها في ما اكتسبته، وحقّها في التواجد معه في فضاءات مشتركة. وسلاحه في حربه ذاك هو الأسلوب التقليدي المعروف: الوصم والتقزيم. إضافة إلى أنّ العنف تَفشّى منذ سنوات ضد النساء، لفظيا كان أو جسديا. كما أن جرائم قتل النساء على يد الرجال، وبخاصة أزواجهن، انتشرت بشكل مفزع في البلاد.”

بالمقابل، تؤكد الإحصائيات على أرض الواقع أن العكس هو الصحيح، الرجال هم الأسوأ في قيادة السيارات والنساء الأكثر تضرّرا. إذ حلّل تقرير لمركز موارد القضايا الاجتماعية عام 2002 مجموعة من الدراسات حول الفروق بين الذكور والإناث في القيادة، وتوصّل إلى أن جميع الدراسات والتحليلات -من دون استثناء- تُبيّن أن الرجال يتسبّبون في نسب حوادث أعلى من النساء؛ فالرجال يقودون سياراتهم بشكل أسرع من النساء، ولا يحترمون قوانين المرور، ويقودون في حالة سكر، ولا يلتزمون بإشارات المرور، وبالتالي يصطَدمون مرتين أكثر من النساء.

هذا إضافة إلى حقيقة أخرى مُحزنة تطبع الواقع التونسي، وهي أن الاستغلال الاقتصادي الذكوري يتسبب أحيانا في موت النساء. من أصدَع الأمثلة على ذلك حوادث العاملات الفلاحيات التي تؤدي إلى الموت المأساوي أثناء نقلهنّ في شاحناتٍ مزدحمة للعمل في الحقول، دون توفّر أدْني شروط السلامة الجسدية والشّغلية.

ولا تمرّ أشهر قليلة من دون تسجيل حوادث تُسفر عن مقتل نساء وجرح أخريات، وهي حوادث تتمثل في انقلاب ”شاحنات الموت” التي يقودها الرجال-الوُسطاء، أثناء نقل العاملات بطريقة عشوائية في خلفية الشاحنة وبأعداد كبيرة إلى حقول الاستغلال. وفي الآونة الأخيرة، شهدَت منطقة السبيخة التابعة لولاية القيروان حادث انقلاب شاحنة تُقِلّ عاملات فلاحيّات، راحَت ضحيّته طفلة عمرها 16 سنة وإصابة 14 عاملة.

في السياق نفسه تُشير شهادات سبق وأن وثقتها المفكرة القانونية إلى أن الوسيط يعمد إلى رصّ العاملات (30 عاملة على الأقل) داخل شاحنته، حيث أفادت إحدى المستجوبَات: “تجدين نساء في الستيّن من عمرهنّ مريضات ولا يمكنهنّ الوقوف لمدّة طويلة. لمنعهنّ من الجلوس يعمد الوسيط إلى سكب الماء البارد في مؤخرة الشاحنة وربح بعض سنتيمترات تمكّنه من حشر نساء أخريات وقوفا”.

وقد سجّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية  33 حادثا مماثلا منذ سنة 2019، وتسبّبت هذه الحوادث في وفاة 15 عاملة وإصابة أكثر من 322 عاملة وعاملا بجروح.