يواصل خبراء من تونس ومن العالم من تفاقم أزمة ندرة المياه في البلاد، لا سيما أن بلادنا تصنف تحت خط الفقر المائي، وسط توقعات بمزيد من الانخفاض لنصيب الفرد السنوي من الماء.
وحدد خط ندرة المياه عالميا بـ500 متر مكعب للفرد سنويا، في حين أن المعدل يقدر في تونس بـ450 مترا مكعبا للفرد، وهو مرشح لمزيد من الانخفاض سنة 2030 ليبلغ 350 مترا مكعبا وفق تقديرات دولية.
وفي وضع صعب كالذي نعيش على وقعه انعقدت جلسة عمل بمقر البنك التونسي للتضامن بحضور خليفة السبوعي المدير العام للبنك ونور الدين بن عياد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وعبد الرؤوف العجيمي مدير عام التمويل والاستثمارت والهياكل المهنية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري وحمادي الكعلي رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للصناعات بالشمال، تمحورت حول وضع خطة تشاركية لتطوير زراعة اللفت السكري بولايات ولايات جندوبة وباجة وبنزرت.
وتم خلال هذه الجلسة الاتفاق على برمجة اعتمادات بقيمة 5 مليون دينار موجهة لتمويل صغار الفلاحين لزراعة اللفت السكري بالولايات المذكورة، وتمويل دفعة أولى لقرابة 250 فلاح تولوا امضاء عقود انتاج مع شركة قصد تمكينهم من قروض تكميلية من قبل البنك قصد المساهمة في إنجاح الموسم الحالي لهذه الزراعة.
ويبدو ان هذا القرار لم يستند الى رأي الخبراء في المجال الزراعي حتى ان وزيرا للفلاحة أخبر موقع تونيزي تيلغراف بان مشروع زراعة اللفت السكري عرض عليه في وقت سابق الا ان الخبراء في الوزارة أعلموه انه سيؤدي الى كارثة مائية محققة وهكذا تخلى عن المشروع لانه ” بالنسبة الينا الأولوية المطلقة هي لمياه الشرب ثم الزراعات الكبرى ” اذ أن زراعة اللفت تستوجب استهلاك الكثير من المياه وتؤثر على المدى المتوسط كما القريب على مخزوننا من مياه الشرب خاصة واننا نعيش منذ سنوات على وقع جفاف مقيت حتى ان العديد من الدول التي تمر بوضع مشابه لتونس شرعت في اتخاذ اجراءات لمنع زراعات بعينها حفاظا على الماء ففي المغرب شرعت الحكومة هناك في تقنين زراعة الدلاع وتتجه الى منع زراعات اخرى .
وفي تونس لم تتجاوز كميّات المياه بالسدود التونسية نسبة 32% من طاقتها للخزن، إلى موفى سبتمبر 2022، ما يعادل نحو 759 مليون متر مكعب، تقريبا، وهي نتيجة حتمية لسبع سنوات، متتالية، تقريبا، من الجفاف وغياب سياسات فعلية للترشيد في استهلاك الماء في بلد يقبع تحت خط الشحّ المائي.
وذكّر المدير المركزي للاستغلال بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، عبد السلام السعيدي، مجددا، في حوار مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بأنّ معدل النصيب السنوي للفرد من الماء المقدر، حاليا، في تونس بـ450 متر مكعب متجه نحو مزيد الانخفاض في سنة 2030 ليبلغ 350 مترا مكعبا.
والجدير بالذكر أنّ مقياس شح المياه في العالم حدّد في أي بلد وهو أن تقلّ حصّة الفرد عن 1000 متر مكعب سنويا، وحدد خط الندرة والشح المطلق أو الفقر المدقع إذا قلّ ذلك عن 500 متر مكعب للفرد سنويا.
وأرجع السعيدي تأزّم الوضعية المائية في تونس “إلى عدم انتظام التساقطات المائية في الزمان وفي المكان مع تواتر فترات الجفاف بالشمال (معدل التساقط 1500 مم) وبالجنوب ( 100مم) سنويا”.
وأفاد أن الموارد المائية الجملية القابلة للتعبئة تقدّر بـ4،8 مليار متر مكعب سنويا منها 2،7 مليار متر مكعب مياه سطحية (السدود والبحيرات الجبلية) و مياه جوفية بمعدل 2،1 مليار متر مكعب.
وبخصوص نوعية المياه، بين السعيدي، أن الجفاف أثر على نوعيتها بسبب تدني مستوى المياه الموجودة بالسدود واقترابها من القاع، حيث يتراكم الطمي بما يعطيها طعما ورائحة، وإنّ كانت غير مستحبّة، لكنّها غير مضرّة بالصحّة، مشيرا إلى أن 50 بالمائة من الموارد المائية تقدّر بدرجة ملوحة تتجاوز 1،5 غرام في اللتر الواحد.
وتتوزع نسبة العجز في الموارد المائية، المسجل على مستوى الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وفق منظومات خاصة بكل جهة، إذ شهدت منظومـة مياه الشمال والوطن القبلي والساحل وصفاقس عجزا ناهز 16 بالمائة خلال صائفة 2022، كما سجلت منظومة الجنوب والشمال الشرقي عجزا بنسبة 16 بالمائة، فيما بلغت نسبة العجز بمنظومة قفصة 14 بالمائة، ولم تعش العاصمة أي عجز.
وأوضح أن هذا العجز يتسبب في تسجيل اضطرابات وانقطاع في توزيع المياه الصالحة للشرب ببعض المناطق، خاصّة، في المناطق العليا خلال ساعات الذروة، لا سيما، أثناء تواصل ارتفاع درجات الحرارة لعدّة أيّام متتالية.
وأرجع المسؤول، العجز المسجّل في الموازنة المائية إلى التأخّر الحاصل على مستوى إنجاز بعض المشاريع الكبرى لتدعيم الموارد المائية ويعزى هذا التأخير إلى إشكاليات تتعلق بتوفر التمويل.
وينتظر أن يتم استكمال المشاريع، التّي هي بصدد الإنجاز والبالغة قيمتها إجماليا، 3900 مليون دينار، في موفى سنة 2024، على غرار مشاريع تحلية مياه البحر بكل من سوسة (نسبة التقدم حوالي 70 بالمائة) والزارات قابس (80 بالمائة) وصفاقس (حوالي 15 بالمائة).
وتتمثل المشاريع الأخرى في تحويل فائض مياه الشمال باتجاه أقطاب كبرى للإستهلاك على غرار تونس الكبرى والساحل والوطن القبلي وصفاقس.
وبين المسؤول بالشركة أنّه بالإضافة إلى النقص الحاصل في مخزون السدود تواجه الشركة إشكاليّات أخرى مثل تدني منسوب الآبار العميقة إلى حد نضوب البعض منها على غرار ما يسجل في ولاية زغوان.
بالإضافة إلى تحويل وجهة مياه الشرب في بعض المناطق الريفية والأحياء المتاخمة للمدن إلى الاستعمال الفلاحي وقد تفاقمت هذه الظاهرة في افتقاد مياه الآبار والأمطار.
وتواجه أيضا الشركة، معضلة الربط العشوائي على الشبكة لغرض السرقة، إذ سجلت، مؤخرا، في حدود 500 ربط عشوائي في كامل الجمهورية علاوة على التعدي على المنشآت المائية للشركة لغرض سرقة المعدّات من النحاس.
وللحد من الاضطرابات المسجلة، وضعت الشركة استراتيجية تتمثل في الرفع من نسق إنجاز المشاريع الكبرى لاستكمالها من أجل مجابهة الطلب على المياه على المدى القريب، بالإضافة إلى مواصلة استغلال الموارد المائية الجوفية المحلية وذات نوعية جيدة عبر مواصلة حفر الآبار العميقة في بعض الجهات، وفق ما ذكره المسؤول ذاته.
كما تم وضع برنامج سنوي للقيام بتدخلات خصوصية بالمناطق، التي تعيش إشكاليات في التزوّد بمياه الشراب خلال فترة الذروة، وذلك للحد من الاضطرابات والانقطاعات. وتتمثل هذه التدخلات خصوصية في حفر آبار عميقة وصيانة التجهيزات واستبدال البعض منها وتهذيب بعض الشبكات.
ولفت السعيدي، بالمناسبة، إلى ضرورة وعي المواطن ومختلف المؤسّسات بمسألة ندرة المياه في تونس وترشيد الاستهلاك والابتعاد عن السلوكات، التّي فيها هدر للموارد المائية الشحيحة.
يذكر أن 80% من الموارد المائية في تونس تستغل في النشاط الفلاحي و17% منها توجه إلى بقية الاستعمالات بما في ذلك الاستعمال الصناعي والسياحي.