ستلجأ الحكومة التونسية إلى الاقتراض مباشرة من البنك المركزي، بحوالي ما قيمته 2.25 مليار دولار لتمويل الموازنة الحالية، وذلك بشكل استثنائي حسب ما قيل.
هذه الخطوة الاستثنائية، لم تلق أي استحسان لدى خبراء الاقتصاد الليبراليين، لأنها تلغي استقلالية البنك المركزي في السياسة المالية، وهذا ما كان يحصل سابقا قبل الثمانينات في العالم أجمع، إلا أن الوصايا العشر لواشنطن في أواخر الثمانينات، أجبرت أكثر الدول على تبني المنطق القائل بأن على المصارف المركزية أن تكون مستقلة، وأن تشتري سندات الدولة من المصارف بسعر السوق وليس بالسعر الذي تفرضه الدولة، وسعر السوق يفترض فائدة أعلى بكثير، وأرباح إضافية للمصارف التي تحمل سندات الدولة في ميزانيتها.
وخطورة القرار الذي سيأخذه البرلمان التونسي، بالاقتراض المباشر من البنك المركزي، لا تكمن في العملية بحد ذاتها، والبرهان على ذلك أن ثلث الدين العام الأميركي موجود في ميزانية البنك المركزي الأميركي، إنما الخطورة تكمن في أن يصبح الاستثناء دائم.
تعليقا على مشروع القانون المتعلق بتنقح القانون الاساسي للبنك المركزي لتمكينه من تمويل ميزانية الدولة مباشرة قال رضا الشكندالي استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية اليوم الاربعاء 31 جانفي عبر اذاعة جوهرة :” الاشكال لا يتمثل في اقتراض الدولة المباشر من البنك المركزي من عدمه وانما في لما سترصد تلك الاموال…. اعتقد ان الجدل القائم جدل مغلوط تماما لان البعض يتحدث عن بنك مركزي مستقل او غير مستقل فماذا يعني المواطن ان يكون مستقلا او غير مستقل؟ فالمهم ان يكون بنكا مركزيا فاعلا وبالتالي ينبغي ان يتحول الجدل الى هل ان البنك المركزي فاعل ام غير فاعل …ولكي يكون فاعلا ينبغي الا تقتصر سياسته على مجابهة التضخم المالي لانه لم ينجح في ذلك لان مصدر التضخم غير نقدي وهناك عوامل اخرى تتحكم في التضخم على غرار الزيادة في الجباية… اذن للدولة دور في ذلك وفي الاحتكار والمضاربة ايضا وبالتالي هناك عوامل اخرى وليس البنك المركزي وحده مسؤولا عنها بل ايضا الدولة وبالتالي يجب ان يعملا معا اليد في اليد ..”
واضاف “حسب رايي نعم لاقتراض الدولة مباشرة من البنك المركزي لكن بشروط والشرط الاول ان يخصص التمويل للاستثمار وليس لتمويل نفقات الدولة والشرط الثاني يجب ان يكون المبلغ محددا وبالتالي ينبغي ان توافق عليه الحكومة والبنك المركزي في اطار التعاون بينهما اذ من المفروض ان يحضر البنك المركزي اجتماعات مجلس الوزراء ويتدخل في الملامح الكبرى للسياسة الاقتصادية وفي ميزانية الدولة وقانون المالية وفي المخطط الخماسي وكذلك الحكومة يجب ان تتدخل في الملامح الكبرى للسياسة النقدية وهذا يتطلب تغييرين: تغيير اول في القانون الاساسي للبنك المركزي وتغيير ثان في قانون الميزانية وهذا هو تقريبا الاقتراح الذي كنت قد قدمته لمجلس النواب .”
وتابع “التغيير الاول في القانون الاساسي للبنك المركزي يتمثل في اضافة هدف ثان للبنك المركزي الى جانب مقاومة التضخم هو النمو الاقتصادي فعندما يقدم البنك المركزي على الترفيع في نسبة الفائدة وهو ما اقدم عليه 11 مرة منذ 2011 ينبغي عليه ان يعلم ان ذلك يقلق الاستثمار ويؤدي الى تراجع النمو …اما التغيير الثاني فيهم قانون الميزانية وبالتحديد مبدا عدم التخصيص لالزام الدولة في قانون الميزانية باستخدام الاقتراض المباشر لاغراض انتاجية اي لتمويل نفقات التنمية التي انخفضت بشكل كبير في ميزانية الدولة التي لم تعد عاملا لدفع الاستثمار الخاص بل اصبحت معطلا .. ما اخشاه ان لنا ثغرة ب10.3 مليارات دينار في الميزانية وان تسير الحكومة في مقاربة محاسبتية هي نفس المقاربة التي سرنا عليها منذ 2011 وذلك سيمثل خطرا جسيما على مستوى الاقتصاد التونسي واذا سرنا في سد الفجوة او تعويض تمويل صندوق النقد الدولي فهذا هو الخطر واذا كانت الحكومة تفكر بمثل هذه الطريقة فهذا سيدفعنا الى السيناريو اللبناني ولكن لما نتوخى مقاربة اقتصادية فهذا ما سيفيد …”
وكان أرام بلحاج أستاذ الاقتصاد اعتبر “أن تنقيح قانون البنك المركزي في إتجاه السماح لتمويل الميزانية فقط لا غير (وليس في إطار مقاربة شاملة تسمح للبنك المركزي لعب دور محوري في مسائل النمو والتنمية) هو تمشي فيه العديد من المخاطر على الإقتصاد وعلى علاقة تونس بشركائها المانحين.”