أخبار تونس – تونس
من كل سنة، ولئن مثّل هذا التاريخ فرصة لإذكاء الوعي بقيمة هذا المورد الطبيعي والتحسيس بأهمية التصرف فيه ودعم الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة،وهو توفير خدمات الماء والصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030 إلا انه يمثل أيضا جرس إنذار للحكومات لمراجعة التزاماتها وترتيب أولوياتها تجاه القضية المائية خصوصا في ظل النقص الحاد للمياه الذي يواجهه اغلب سكان المعمورة.
إن الخصاص المائي الذي تعيش على وقعه البلاد التونسية منذ أعوام والذي أثر على نصيب كل فرد في حصته السنوية من الماء التي وصلت إلى 400 متر مكعب مرشحة للنقصان مع حلول سنة 2030 إلى 350 متر مكعب مقابل ال 1000 متر مكعب الموصى عليها من طرف منظمة الصحة العالمية، لا يمكن أن يعكس إلا الحاجة الملحة إلى تغيير السياسات المائية المتبعة منذ عقود والتي أثبتت عدم جدواها، إذ لم تعد فقط غير ملائمة لمتطلبات الأفراد بل ومعيقة لإعمال الحقوق الأساسية لهم على غرار الحق في الماء الصالح للشرب والحق في الصحة.
لا يزال إلى حد اليوم 650 ألف تونسي لا يحصلون على المياه في بيوتهم وتصلهم الإمدادات عبر الحنفيات العمومية، في حين يفتقر 300 ألف تونسي الى المياه تماما ويلتجأون للآبار والبحيرات والمصادر الطبيعية لتغطية حاجياتهم من المياه. وفي الأرياف يصل نصيب كل فرد إلى اقل من 02 لتر من المياه في اليوم الواحد، أما المدارس الريفية فإن أكثر من ثلثها يفتقر إلى مياه الشرب (1415 من مجموع 4585) ما يحيلنا بصفة عامة إلى حجم الانتهاك الممارس على حق الأفراد في مياه تضمن لهم عيشا كريما وتحقق كرامتهم البشرية.
إن شح المياه في تونس لا يمكن أن يبرّر عدم الامتثال لقانون حقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة. وقد أصبح محمولا على صناع القرار أن يضعوا حدا للإهدار اللامسؤول لمنبع الحياة من طرف المنشات الصناعية التي تستغل كميات كبيرة من المياه مثل شركة فسفاط قفصه التي تستغل سنويا ما يقارب 8.9 مليون متر مكعب في السنة، الى جانب كبار المستثمرين الذين يتمتعون برخص حفر دون رقابة ويمتلكون أبار غير قانونية دون ردع ما يعد انتهاكا صارخا للتعليق العام رقم 15 للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حول الحق في الماء والذي يؤكد على إعطاء الأولوية في توزيع المياه للاستعمالات الشخصية والمنزلية وذلك لمنع الجوع والأمراض.
وعليه فانه من واجب سلطة الاشراف وعلى رأسها وزارة الفلاحة منح الأهمية القصوى لمياه الشرب وأن يتم كذلك الاحتفاظ بأعلى المياه جودة لهذا الغرض بغض النظر عن مدى الربح الذي قد تحقّقه الاستعمالات الأخرى من فلاحة وصناعة وسياحة الى جانب سن نص قانوني يضع توفير الماء الصالح للشرب على رأس الأولويات.
نحن نعتبر أن الحق في المياه حق كوني وإنساني وهو يعكس مدى احترام الكرامة البشرية وأن حرمان ألاف المواطنين منه هو خرق للتشريع الوطني والدولي وإخلال بالتزامات وقعت عليها بلادنا أمام أنظار العالم. ولنا أن نسأل السلطة عن مخططاتها لمواجهة هذه المعضلة خاصة مع تفاقم تأثيرات التغيرات المناخية.
إن قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يطالب بما يلي:
- تحسين الخدمات في مجال إدارة المياه إلى جانب ضمان الجودة والكمية المطلوبة في المياه المخصصة للشرب
- المساواة في ضمان حق الجميع في الماء وفي خدمات الصرف الصحي
- وضع حد للاستغلال العشوائي لطبقات المياه الجوفيّة من طرف المنشات الصناعية والمحافظة عليها من اجل ضمان حق الأجيال القادمة في الماء.
- اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتأقلم مع التغيرات المناخية
- مكافحة ظاهرة تنامي الآبار العشوائية
- التعامل مع الثروة المائية من منطلق مقاربة حقوقية تجعل من حق الأفراد في مياه نظيفة وآمنة في مقدمة الأولويات والنأي بها عن المصالح التجارية
- اعتماد مقاربة تشاركية وحوار مجتمعي في تحيين التشريعات وخاصة منها مجلة المياه حتى تواكب التطور الديمغرافي والتغير المناخي
- إتباع سياسات مائية وفلاحية تقوم على استدامة مورد المياه والقطع مع إشكال الاستغلال اللامسؤول للثروة المائية