ثمة سوء فهم لمعنى الديبلوماسية الاقتصادية لدى العديد من أصحاب القرار أو غيرهم من الفاعلين السياسيين والاقتصاديين لمسألة الديبلوماسية الاقاتصادية .
فماذا تعني هذه العبارة التي عادة ما يتم التداول فيها من حين لأخر في بلادنا .
لقد ظهرت الدبلوماسية الاقتصادية كمفهوم منذ ازمة الكساد الكبير الذي شهده العالم واكتسبت دورا اوسع حتى وصلت الى وضعها الحالي كمظلة للدبلوماسيات المتعلقة بالجانب الاقتصادي التي تمارسها مختلف الاطراف الدبلوماسية. ان احداث الدبلوماسية الاقتصادية هي تكريس في العمل الدبلوماسي. ونهج يهدف الى التقاء جهود المتدخلين في المجال الاقتصادي من اجل جلب الاستثمارات ومزيد من النهوض بالصادرات مع وضع استراتيجية للتاثير والضغط من اجل الدفاع عن المصالح الاقتصادية الوطنية لدى الهيئات والمنظمات المتعددة الاطراف.
فالدبلوماسية الاقتصادية، يقصد بها استخدام الدولة لمقدراتها الاقتصادية في التأثير على الدول الأخرى وتوجيه سلوكها السياسي في الاتجاه الذي يخدم المصلحة القومية لهذه الدولة وبطبيعة الحال فهذه السياسة تنتهجها الدول الغنية في مواجهة الدول الفقيرة ولها وجهان:
الترغيب
ويعني منح المساعدات الاقتصادية للدول الممالئة أي التي تتماشى سياستها مع مصالح الدولة المانحة. مثل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لدول مثل مصر وباكستان نظير خدمات تحقق مصالحها.
الترهيب
ويعني منع المساعدات وفرض عقوبات على الدول المناوئة أي الدول المناهضة والتي لا تتماشى سياساتها مع مطالب الدولة المانحة. مثل الحظر الأمريكي على كوبا منذ تحولها إلى الشيوعية إثر انقلاب كاسترو في 1959.
والديبلوماسية الاقتصادية فضلا عن ذلك تحتاج الى بيئة معينة لتحقيق أهدافها وأولها الذراع المالية انشاء بنوك خارجية تكون دعامة للمصدر التونسي والأهم من كل ذلك هو وجود شبكة نقل جوي وبحري متطورة قادرة على الوصول الى العناوين المستهدفة في الخارج .
فعلى سبيل المثال ففي المغرب الشقيق وضع هذا البلد خطة متماسكة وواضحة فالتجاري وفا بنك على سبيل المثال تجده ممثلا في أغلب الدول الافريقية اضافة الى الدعم الجوي الذي تقدمه شركة النقل الجوي لارام التي تصل الى 91 وجهة داخلية وخارجية وتسير رحلات إلى 38 وجهة في أوروبا و28 وجهة في أفريقيا وسبع وجهات في آسيا وخمس وجهات في أميركا الشمالية، بالإضافة إلى وجهتين في أميركا الجنوبية.
ومؤخرا أعلنت الحكومة المغربية رفع رأسمال شركة الخطوط الملكية الجوية المملوكة للدولة، في برنامج يهدف خصوصا إلى مضاعفة أسطولها من 50 طائرة حاليا إلى 200 بحلول العام 2037.
وفي ورقة بحثية أجريت مؤخرا حول الديبلوماسية الاقتصادية تعترف الخارجية الفرنسية بصعوبة هذه المهمة رغم الترسانة الكبيرة من المؤسسات التي ترافق رجال الأعمال الفرنسيين في الخارج .
“إن منظومة مساعداتنا الخارجية مقطعة الأوصال في واقع الأمر، لذا يتعذر على المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمنشآت الكبيرة المعتدلة الحجم تقصّيها، كما أنها لا تفي بالقدر المطلوب من الكفاءة أحياناً: إذ تسعى سفاراتنا وشبكة المستشارين الاقتصاديين، ووكالة أوبيفرانس (Ubifrance) من أجل تطوير المنشآت على الصعيد الدولي، ومجموعة كوفاس (COFACE) للضمانات، ووكالة الاستثمار في فرنسا (AFII) المعنية بالاستثمارات الأجنبية، وشركة أوسيو (OSEO) من أجل الابتكار، والغرف التجارية، وشبكة مستشاري التجارة الخارجية، سعياً حثيثاً إلى أداء مهماتها على أكمل وجه ولكن إقامة أوجه التآزر بين مختلف هذه الأدوات لم تكتمل بعد. ”
مقابل ذلك واذا ما عدنا الى أذرع الديبلوماسية الاقتصادية فاننا سنجد على المستوى اللوجستي فقط سنجد العديد من الهنات التي لا تساعد مطلقا في وضع مخطط قابل للحياة لتحقيق أهداف ديبلوماسيتنا الاقتصادية
لدى الناقلة الجوية الوطنية أسطولا مشكلا من 29 طائرة محققة زياردة بطائرتين عن الاسطول العامل خلال نفس الفترة من 2022 . وتمتلك الشركة 18 طائرة من الاسطول في حين تشغل الطائرات الأخرى عبر الايجار طويل الامد والايجار المالي في حين تناهز أعباء الموارد البشرية 3ر96 مليون دينار . وخلال الشهر المنقضي وجدت المؤسسة نفسها في وضعية محرجة لصرف أجور أعوانها .
وخلال شهر أكتوبر المنقضي أعلن خالد الشلي ر م ع الناقلة الوطنية أن المؤسسة تحتاج الى تغيير المنظومة التشريعية خاصة وأن قرارات إعادة هيكلتها بقيت معطلة منذ سنة 2017 ولم يتم تنفيذهاوتعاني الشركة في المقابل، وفق الشلي، من ضعف الامكانيات المالية مقابل ارتفاع كلفة شراء الطائرات أو صيانتها في وقت تسعى فيه الدولة الى إعادة هيكلة الشركات الوطنية، وحوكمة التصرف في عائداتها.
أما الذراع المالية فهي لم تكن أحسن من الذراع الأولى فبنك تونس الخارجي يعاني هو الاخر منذ سنوات طويلة
فهذا البنك الذي يملك فرعا له بفرنسا خضع في أكثر من مناسبة لعملية رقابة والتدقيق المعمق كما تم رصد العديد من الاخلالات خاصة فيما يتعلق بالحوكمة والتسير والمتابعة في كل من الفرعين بفرنسا وتونس لعل اهمها الانتدابات بالولاءات و سوء التصرف المالي في الشراءات وسوء التصرف في السياسة التجارية علاوة على مناخ اجتماعي متدهور والتفويت في احدى شقق التابعة في ظروف تطرح العديد من التساؤلات .
وعليه فالديبلوماسية الاقتصادية في حاجة الى بيئة تفتح لها الطريق الى النجاح عبر رؤية واضحة وشاملة تنخرط فيها جميع المؤسسات المحلية والسفارات في الخارج عبر منحها خطابا واضحا وموحدا يحمله معه رئيس الدولة ووزير الخارجية كما يحمله وزير الاقتصاد أو السياحة أو الرياضة .
فعلى سبيل المثال ففي أخر لقاء دولي هام لم يشارك أي رجل أعمال تونسي واحد في البعثة التي قادها رئيس الحكومة مؤخرا الى منتدى دافس … وسنجد أكثر من مثال حين نتمعن جيدا في قائمة الوفود الرسمية التي تتحول الى الخارج .
لا يكفي أن نعلن أن الانتعاش الاقتصادي هو أولوية لتونس بل يقتضي تحقيقه العمل على المستوى الدولي، فإن إعادة توزيع أوراق القوة في عالم مُعولَم يستند فعلاً وبقدر كبير إلى المعيار الاقتصادي.
ويتعين على تونس استيعاب هذه الدبلوماسية الاقتصادية باعتبارها عاملاً أساسياً من عوامل النفوذ والنمو. وعلى وزارة الشؤون الخارجية أن تؤدي دوراً حاسماً في تحقيق ذلك.