غادرت فرنسا الاستعمارية إفريقيا “صوريا” في ستينيات القرن الماضي، لكنها تركت خلفها أكثر من “وحش”محلي.
قبل رحيلها في 1960، أنشأت فرنسا نظماً سياسية تسمح لها بمواصلة حكم شعوب القارة السوداء.
قامت بإلغاء النظم البرلمانية في بعض الدول كساحل العاج، وإقامة نظم رئاسية بدلاً منها، يمسك رأس الدولة فيها بكل شيء في البلاد.
الفكرة من وراء ذلك أنه “للسيطرة على البلد ينبغي فقط التحكم بشخص يتمتع بكل السلطات”.
وهكذا استمر “الاحتلال” الفرنسي بعد رحيل القوات العسكرية.
كان رئيس الجمهورية الخامسة شارل ديغول يخطط للبقاء أكثر في هذه القارة، لذلك استدعى صديقه جاك فوكار الذي تولى منصب كبير مستشاري الحكومة الفرنسية فيما يخص السياسة الإفريقية بين 1960 و1974، وكلفه بتلك المهمة، أي رسم الجزء الأهم من علاقات باريس بإفريقيا إلى اليوم.
من ذلك التاريخ أصبح رجل الأعمال والسياسي الفرنسي جاك فوكار، الأب المؤسس والراعي للعلاقة الاستعمارية الحديثة بين فرنسا ودول إفريقيا، علاقة حافظت عليها حكومات فرنسا المتتالية دون استثناء، فالدفاع عن “الفناء الخلفي” الإفريقي بقي أولوية تخطيطية أساسية لكل الحكومات.
عرف فوكار بعد ذلك بـ”سيد إفريقيا”، فكان المسؤول عن تعيين وإقالة رؤساء دول المربع الفرانكفوني في القارة السمراء لعدة عقود من الزمن خلال الجمهورية الخامسة،
وعهد له ديغول مهمة هندسة أنظمة الحكم في دول إفريقيا وتثبيت الحكام أو الإطاحة بهم بما يتلاءم مع مصالح فرنسا.
دعم حُكم البعض وزعزعة استقرار الآخرين، بموارد بشرية ومالية كبيرة، فقد كان لديه القول الفصل واليد العليا في كل الأجهزة السرية والدبلوماسية الفرنسية في إفريقيا، وهدفت أساليبه إلى إبقاء رؤساء الدول في المستعمرات الفرنسية السابقة تحت تأثير باريس.
أنشأ جاك فوكار شبكة مركزية قوية حملت إعلامياً اسم “فرانس- أفريك”، بحيث يبقى المسيطر الوحيد على الوضع في القارة الإفريقية.
بدأت الشبكة عملها مع تأسيس الجمهورية الخامسة في فرنسا، ووصول “شارل ديغول” إلى السلطة عام 1958.
وبدأت نشاطها بمنح 14 مستعمرة فرنسية إفريقية سابقة استقلالها في خلال عامين، مقابل اتفاق أمني مع فرنسا، اتضح فيما بعد أنه يشمل بنوداً غير مُعلَنة.