تعددت التصريحات في الأونة الأخيرة صادرة عن كبار المسؤولين في الدولة عن وجود أموال مشبوهة متأتية من الخارج تدخل الى تونس بلا رقيب وكان اخرها ما صرح به رئيس الجمهورية خلال لقائه بفتحي زهير النوري محافظ البنك المركزي التونسي حيث اعلمه بتلقي “عديد الجمعيات مبالغ خيالية من الخارج وتتولى تمويل عدد من الجهات التي تضخّ بدورها هذه الأموال لأغراض سياسية مفضوحة في خرق تام للقانون وفي تدخل سافر في الشؤون الداخلية لتونس، فإحدى هذه الجمعيات على سبيل المثال تلقت إلى غاية يوم 28 من الشهر المنقضي مبلغ 9579908,300 دينارا وأخرى، على سبيل المثال أيضا لا الحصر، تلقت مبلغا يساوي 255512,250 دينارا وغير هذين المثالين كثير كما تؤكد ذلك عديد المؤيدات”، وفق بلاغ صادر عن الرئاسة.
اضافة الى ذلك أعلنت عضو هيئة الانتخابات نجلاء العبروقي “تقول” إن الهيئة أبلغت النيابة العمومية بتلقيها إشعارات رسمية عن تلقي جمعيات “تمويلات أجنبية مشبوهة” وأن هذه الجمعيات أودعت لدى الهيئة مطالب لملاحظة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ووسط تعدد الاتهامات للجنة التحاليل المالية بعدم القيام بمهامها تم خلال الأسبوع المنقضي ايقاف الكاتبة العامة لهذه اللجنة والتي التحقت بهذا المنصب سوى في مارس 2024 ليطلق سراحها يوم أمس فيما ستتواصل الأبحاث حول عمل هذه اللجنة من قبل الجهات القضائية المختصة .
ومثل هذه التصريحات يمكن ان تتحول الى سلاح ذو حدين وقد تفتح علينا من جديد أعين خبراء مجموعة العمل المالي (GAFI) التي سبق لها وان وضعتنا في القائمة السوداء ثم القائمة الرمادية التي لم نغادرها سوى في أكتوبر 2019 بعد جهد جهيد .
ففي يوم 18 أكتوبر تنفست تونس الصعداء بعد أن قرّرت مجموعة العمل المالي خلال اجتماعها المنعقد بباريس إخراج تونس رسميًّا من القائمة السوداء للبلدان التي تعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية. وقد اعتبرت اللجنة “أنّ الحكومة التونسية أوفت بالتزاماتها فيما يتعلق بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.”
وقد أُدرجت تونس ضمن هذه القائمة في فيفري 2017 ثمّ في القائمة الرمادية في أكتوبر 2018 . ومنذ ذلك التاريخ وضعت الحكومة خطّة عمل أقرّت خلال مجلس وزاري في بداية 2018 وتألفت لجنة لدعم المنظومة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وشكّلت لجنة لمتابعة الملف ترأسها المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الحكومة فيصل دربال بالتعاون مع لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي واتخذت في ظرف قياسي لا يتجاوز 17 شهرا كلّ الإجراءات اللازمة في اتجاه تحقيق تطابق المنظومة القانونية التونسية في شتى المجالات مع توصيات مجموعة العمل المالي والمعايير الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال. وعقدت للغرض عدّة مجالس وزارية بإشراف رئيس الحكومة واجتماعات فنية جمعت القضاة والأخصائيين الماليين والخبراء من تونس والخارج، سُخّرت لها الإطارات العليا للإدارة التونسية بدعم من مختلف الشركاء الدوليين للوصول إلى اتخاذ أنجع التدابير التي أفضت إلى إنهاء هذه الوضعية وخروج تونس من القائمة السوداء.