مازالت القارة الإفريقية محط “تنافس وساحة صراع” ما فتئ يشتد بين قوى عالمية كبرى؛ ففي وقت بدأ النفوذ الفرنسي يتراجع فعليا في دول إفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة الساحل، بدءا من أراضي مالي وليس انتهاء في جارتها بوركينافاسو التي أمهلت القوات الفرنسية في إشعار مسبق شهرا واحدا قبل مغادرتها البلاد، تترقب عواصم إفريقية عديدة -ضِمنها المغرب- حلول وزير خارجية روسيا في جولة إفريقية بداية من الأسبوع المقبل تقوده الى عدة دول من بينها تونس .
واشنطن تتطلع، أيضاً، في زمن إدارة الرئيس بايدن، إلى “مراجعة” السياسة الأمريكية تجاه “القارة السمراء” التي غابت أهميتها الإستراتيجية في منظار البيت الأبيض في عهد ترامب؛ وكانت قمة القادة الأمريكية–الإفريقية، منتصف دجنبر الماضي، دليلا دامغا بصَم عودة قوية للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المنطقة.
من جهته، يتحرك “الدب الروسي”، عبر أداة نفوذه المتمثلة في “مجموعات فاغنر”، مدعوما بجهود دبلوماسية متسارعة للبحث عن موطئ قدم استثمارية وسط رمال صحراء ساخنة ومضطربة، لا تتوقف عن التموج تبعاً لبوصلة التحولات الجيوسياسية في منطقة تعرف تمددا واسعا للجماعات المسلحة ذات الخلفيات الإرهابية.
والمخاوف الغربية من اتساع التواجد الروسي والصيني في المنطقة عبرت عنه قبل يومين رئيسة وزراء ايطاليا جورجا ميلوني من العاصمة الجزائرية حين اعلنت خلال تصريحات مشتركة مع رئيس الجمهورية الجزائرية، عبد المجيد تبون، “إننا في هذه المرحلة الأولى نركز بشكل كبير على منطقة البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي تصبح شمال إفريقيا أولوية مطلقة. والجزائر، من وجهة النظر هذه، هي الشريك الأكثر إستراتيجية والأطول عمرًا”.
وأضافت رئيسة الوزراء “هناك دول أخرى وسنقوم بجولات في الأسابيع المقبلة إلى دول في شمال إفريقيا”.
وقالت، في تصريحات لاحقة من الجزائر “أعتقد أنه من المصلحة الجيوسياسية لأوروبا بأكملها أن تكون أكثر حضوراً في إفريقيا”، وأيضا “لكبح جماح نفوذ روسيا والصين، الذي ازداد بشكل كبير مع وجود عناصر واضحة مزعزعة للاستقرار” هناك.
ورأت أنه “بوسع إيطاليا أن تلعب دورًا مهمًا”، مضيفة: “أعتقد أن ذلك يصب في مصلحة أوروبا بأسرها، ليس فقط لمسألة مرتبطة بالطاقة، ولكن لأن أوروبا تواجدت بشكل ضئيل في إفريقيا، ونرى (الآن) نتائج هذا الغياب: هناك قضية جيوسياسية تفرض على أوروبا الاهتمام بوجودها في منطقة البحر المتوسط وفي إفريقيا، وقد تحدثنا عنها في المجلس الأوروبي الأخير”.