في الوقت الذي أنجزت فيه دول عربية عدة خططها لرفع الدعم عن المحروقات وعدد من المواد الأساسية، واعتادت شعوبها على قبول بالأمر الواقع والأسعار الحقيقية، لا يزال الجدل مستمراً في تونس بخصوص ملف الدعم، بين رافض كلياً لرفعه باعتباره إملاءات من صندوق النقد الدولي، وبين مناد باعتماد منهج التدرج، بينما يذهب فريق ثالث إلى أنه حان الوقت لرفعه تماماً
ومنذ نحو سبع سنوات شرعت الحكومات المتعاقبة في الحديث عن إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية باعتماد شعارات من قبيل توجيه الدعم نحو مستحقيه واعتماد نظام التحويلات المالية، لكن في الأثناء بدأت فاتورة الدعم تثقل موازنة تونس بشكل لافت من عام إلى آخر
وعمق النزاع الروسي – الأوكراني موازنة الدعم من خلال الارتفاع القياسي لواردات الحبوب والمحروقات بسبب ضعف سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار (دولار واحد يساوي 3.1 دينار)
وأمام تأزم المالية العامة وعجز الميزان التجاري برقم قياسي بلغ ثمانية مليارات دولار، أي نحو 17 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي، وانسداد أفق التمويل الخارجي، بدأت حكومة نجلاء بودن، بهدوء تام ومن دون ضوضاء إعلامية في اعتماد خريطة طريق تمتد ثلاث سنوات، رسمت فيها مخططها لرفع الدعم عن مجالين اثنين وهما المحروقات والمواد الأساسية
خطة واضحة المعالم
تخطط الحكومة التونسية لرفع الدعم بصفة نهائية عن المحروقات والمواد الأساسية بخاصة منها الغذائية، وفق خريطة طريق وجدول واضحي المعالم، ستصل بهما إلى عام 2025 باعتماد حقيقة الأسعار مع ضمان التحويلات المالية للعائلات المعنية، التي لم يقع إلى الآن تحديدها بدقة وسط انتقاد شديد للمنصة المزمع تطبيقها لتحديد المستحقين، بهدف مقاومة غلاء الأسعار في الفترة المقبلة
وكشف تقرير رسمي صادر عن وزارة المالية التونسية تحت عنوان “إطار متوسط الميزانية 2023/2025” أن أسعار المواد الغذائية والمحروقات شهدت ارتفاعاً قياسياً في الأسواق العالمية بشكل ضاعف الضغوط المسلطة على نفقات الدعم، إذ بلغت في عام 2022 مستوى 8.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و23.6 في المئة من جملة نفقات الموازنة، مما زاد من المخاطر المتعلقة باستدامة المالية العمومية والحد من قدرة الدولة على تخصيص اعتمادات موجهة لمساندة الفئات الاجتماعية الهشة والاستثمار العمومي، بالتالي دفع النمو الذي من شأنه خلق الثروة وفرص العمل
وفي السياق نفسه أعدت دراسات لتشخيص مواطن ضعف منظومة الدعم الحالية، بخاصة في ما يتعلق بعمليات تهريب وتبذير المنتجات المدعمة، وعدم توجيه الدعم لمستحقيه الفعليين
وتعتمد تقديرات نفقات الدعم للفترة 2023-2025 على مدى التقدم في تنفيذ برنامج الإصلاح واعتماد منظومة الدعم الجديدة، وبذلك، من المتوقع أن تتراجع نسبة الدعم من جملة نفقات الموازنة إلى حدود 5.7 في المئة في نهاية عام 2025 أي ما يعادل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 16.4 في المئة و5.4 في المئة على التوالي مقدرة لعام 2023
وفي المقابل سترتفع التحويلات المالية المباشرة للأسر المعنية لتبلغ 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أفق عام 2025
ومن المنتظر أن تنخفض نفقات الدعم من 8832 مليون دينار (2850 مليون دولار) في 2023 إلى 5215 مليون دينار (1682.2 مليون دولار) في 2024 ثم وصولاً إلى 3349 مليون دينار (1080.3 مليون دولار) في 2025، ما يعني بحسب المتخصصين أن الدولة ستتخلى عن الدعم، الأمر الذي سيعقبه ارتفاع لافت للأسعار وسط ازدياد نسب التضخم الآخذة في الصعود، إذ من المنتظر أن يبلغ معدلها 11 في المئة في كامل 2023