يبدو ان دعوات رئيس الجمهورية لمحاربة الفساد والفاسدين لا تجد ما يكفي من التجاوب من قبل العديد من المؤسسات الحكومية ولاسيما من قبل بعض وزارات السيادة، كوزارة الشؤون الخارجية و الهجرة والتونسيين بالخارج عندما نلاحظ حجم سوء التصرف في موارد الدولة والفساد و ذلك رغم الإذن بمهمة تفقدية صلب هذه الوزارة منذ أواخر سنة 2019 لم يتسرّب منها أي شيء الى حد الان.
ولعل أبرز معالم سوء التصرف والفساد تتجلى في التسميات والتعيينات بسفاراتنا وبعثاتنا في الخارج والتي يشوبها الكثير من المحاباة والاعتباطية، سواء في مستوى رؤساء البعثات أو الديبلوماسيين أو حتى في مستوى المحاسبين و باقي أعضاء السلك الإداري المشترك.
و لا يخفى على أحد أن الوزارة تعيش منذ الصائفة الماضية على وقع أجواء مشحونة بسبب تأخر الحركة المتعلقة برؤساء البعثات التي لم يعلن عنها الى حد كتابة هذه الاسطر بتعويض السفراء والقناصل الذين انهوا مهامهم منذ نهاية جويلية 2021 و لذلك نجد ما لا يقل عن عشرين بعثة بدون سفير او قنصل في الوقت الحاضر و غني عن البيان ان هذا الوضع يضر بمصالح تونس في ظرف اكثر من حسّاس يستدعي حشد الدعم السياسي والاقتصادي والمالي لبلادنا.
و باستثناء سفارتنا بواشنطن التي تم التسريع بتسمية سفيرة على رأسها بنقلها من برلين، فإن عواصم هامة كأنقرة و بيكين والدوحة وبرلين لازالت شاغرة وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب هذا التأخير و كذلك دواعي إعفاء بعض القناصل العامين مؤخرا في ميلانو باريس. كما علمنا أن النية تتجه الى إعفاء بعض سامي المسؤولين في الوزارة و احالتهم على التقاعد، فضلا عن وضع حدّ لمهام بعض السفراء كسفيرنا في المنامة السيد كمال القيزاني، المدير العام السابق للمصالح المختصة في وزارة الداخلية، الذي لم تمض على تسميته سنة واحدة وقد تم قبل ذلك رفض تسميته كسفير في هولندا على خلفية شبهات قوية بارتكابه لخروقات أمنية في قضية المسؤول الأممي، المنصف قرطاس، والتي اثارت جدلا كبيرا خلال سنة 2019. وهنا ، نتساءل عن المعايير التي تم توخيها في هذا التعيين وغيره كثير ما دام المسؤول المذكور لا يتلاءم وخصوصيات و أعراف العمل الديبلوماسي أو تعوزه الكفاءة اللازمة للقيام بهذا العمل. لكن انتهى الى علمنا أن هذا الاعفاء مرده خلافات سابقة بين هذا المسؤول ووزير الداخلية الحالي، الذي بادر أيضا بإعفاء ممثل وزارة الداخلية في واشنطن وغلق المكتب بعد سنة واحدة من فتحه.
وقس على ذلك عديد التعيينات الأخرى التي تشوبها المحاباة و سوء التصرف، كتعيين محاسب عمومي في واشنطن يجهل الإنجليزية و ابجديات العمل المحاسبي ، يتكلف على ميزانية الدولة حوالي مليون دينارا سنويا باعتبار التكفل بسكناه ( في فيلا عكس باقي الاعوان) و مصاريف دراسة أبنائه ومجانية السفر له ولأفراد عائلته.
زد على ذلك ، سوء الخدمات القنصلية في السفارة فلا احد يجيب على مكالمات الجالية مع تأخير غير مبرّر في اسداء الخدمات و خاصة اصدار جوازات السفر والاحاطة بمن ضاقت بهم السبل او يواجهون مشاكل مختلفة في الولايات المتحدة وهم كثر.
و من البديهي أن هذه المشاكل تتكدّس في مختلف السفارات والبعثات امام عجز و صمت مريب للوزير الذي لم يفعل شيئا لترميم هذه الأوضاع حتى ان وزارته أصبحت ترتع فيها الكلاب السائبة كما تم توثيق ذلك في بعض الصور المخزية!
ونحن ندعو السيد رئيس الجمهورية للالتفات الى هذه الوزارة المنكوبة ، التي ينخرها الفساد و المحسوبية وذلك عبر تعيين وزير قادر على رفع التحديات التي تواجه الوزارة إداريا وسياسيا، حيث أن ديبلوماسيتنا تراجعت كثيرا و أصبحت مواقفها متذبذبة للغاية كما يدل على ذلك عضويتنا الباهتة في مجلس الامن الدولي كعضو غير دائم، والتي انتهت في ديسمبر الماضي ولكنها لم تجلب لنا سوى المشاكل والاحراجات سواء مع القوى الكبرى، او مع الدول الشقيقة والصديقة كالمغرب واثيوبيا.
و انه لحري بنا في اطار اصلاح هذه الوزارة، الإسراع بتركيز مجلس اعلى للديبلوماسية يتكون من خيرة الديبلوماسيين الجدد والقدامى إضافة الى الخبراء المختصين في الشأن الديبلوماسي مع بعض ممثلي الجالية التونسية من بين الإطارات العليا) من اجل وضع تصورات و توجّهات أساسية للعمل الديبلوماسي التونسي وتعاطيه مع أمهات القضايا الدولية ، خاصة في ضوء حالة الاستقطاب العالمي السائدة حاليا والتي أعادت أجواء الحرب الباردة. كما انه أصبح لزاما التسريع بإصدار القانون الأساسي لأعوان وزارة الخارجية، الذي خضع لمراجعات متعددة منذ الثورة لكن لم يتم اعتماده كقانون في ظل تلكـؤ رئاسة الحكومة ووزارة المالية في إقرار التنقيحات و الإصلاحات المطلوبة. وكذلك حالة التشرذم النقابي صلب الوزارة بين نقابة مستقلة خاصة بالديبلوماسين وأخرى تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل وتضم سائر الإداريين.
و قد يتعين بالتوازي مع ذلك، إقرار مجموعة من الإصلاحات الجذرية في مستوى التعيينات بالمراكز لترشيد النفقات و إضفاء الشفافية عليها في ضوء ما يلفها من غموض و محسوبية ولن يكون ذلك ممكنا الا عبر امتحان المرشحين مسبقا، ومهما كان مستوى خطتهم، من اجل التأكد من اهليتهم وجدارتهم بهذه المناصب وفي نفس الوقت دون اهدار مبالغ طائلة من العملة الصعبة على بعض الاعوان ممن يمكن الاستعاضة عنهم بعوان محليين او حتى باعوان يعملون انطلاقا من تونس و ذلك ليس بالامر الصعب او المستحيل لكن عقلية »خليه ياكل خبزة» لازالت سائدة مع الأسف وهي التي ستجني علينا جميعا!